آيات من القرآن الكريم

خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ

١٠٣ - قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾، قال المفسرون: (لما عذر رسول الله - ﷺ - هؤلاء وأطلقهم قالوا: يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا عنك، فتصدق بها عنا وطهرنا واستغفر لنا، فقال رسول الله - ﷺ -: "ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئًا" فأنزل الله هذه الآية (١)، فأخذ رسول الله - ﷺ - ثلث أموالهم وترك الثلثين؛ لأن الله تعالى قال: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ ولم يقل (٢) أموالهم) (٣).
قال الحسن: (هذه الصدقة هي كفارة الذنوب التي أصابوها وليست بالزكاة المفروضة) (٤)، ونحو هذا قال ابن كيسان (٥)، وقال عكرمة: (هي صدقة الفرض) (٦)، وقال أهل العلم: (الآية وإن كانت نازلة في صدقة التطوع، فهي عامة الحكم) (٧).
والإمام أولى بأن يتولى أخذ الصدقات [ومعنى الجمع في الأموال يقتضي أنه يأخذ بعض كل صنف من المال: الثمار والمواشي والنقود.

(١) انظر: "تفسير ابن جرير" ١١/ ١٦ - ١٨، وابن أبي حاتم ٦/ ١٨٧٤ - ١٨٧٥، والثعلبي ٦/ ١٤٤ أ، والبغوي ٤/ ٩٠، وأسباب النزول للمؤلف ص ٢٥٨.
(٢) في (ى): (ولم يقل خذ)، والمثبت موافق لتفسير الثعلبي.
(٣) انظر: "تفسير الثعلبي" ٦/ ١٤٥ أ، والبغوي ٤/ ٩١، وروى نحوه مطولاً عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢/ ٢٨٦، وابن جرير في "تفسيره" ١١/ ١٥ عن الزهري لكنه مرسل.
(٤) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٦/ ١٧٧، والمؤلف في "الوسيط" ٢/ ٥٢٢.
(٥) انظر قوله في: "تفسير الثعلبي" ٦/ ١٤٥ ب، والبغوي ٤/ ٩٢.
(٦) ذكره الماوردي في "النكت والعيون" ٢/ ٣٩٨، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ٤٩٦، والمؤلف في "الوسيط" ٢/ ٥٢٢، والقرطبي في "تفسيره" ٨/ ٢٤٤.
(٧) انظر: "أحكام القرآن" للإمام الشافعي ١/ ١٢٠، و"فقه الزكاة" للقرضاوي ١/ ٢٤.

صفحة رقم 33

وقوله] (١) تعالى: ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾، قال ابن عباس: (يريد: تطهرهم من الذنوب) (٢)، قال أبو إسحاق: (يصلح (٣) أن يكون: ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ [نعتاً للصدقة كأنه قال خذ من أموالهم صدقة مطهرة، والأجود أن يكون ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾] (٤) للنبي - ﷺ -؛ المعنى خذ من أموالهم صدقة فإنك تطهرهم بها) (٥).
قال أبو علي: (من جعل (التاء) في ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ ضمير الصدقة ولم يجعله ضمير (٦) فعل المخاطب فلِما جاء من أن الصدقة أوساخ الناس (٧)، فإذا أخذت منهم كان كالدفع (٨) لذلك، ودفعه (٩) تطهيره) (١٠)، ويجوز أن

(١) ما بين المعقوفين بياض في (ح).
(٢) "زاد المسير" ٣/ ٤٩٦، و"تنوير المقباس" ص ٢٠٣.
(٣) في (ى): (يجوز)، وما أثبته موافق للمصدر.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ى).
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٦٧.
(٦) في (ى): (ضمير الصدقة)، وهو وهم من الناسخ.
(٧) وذلك في الحديث الذي رواه مسلم (١٠٧٢)، كتاب: الزكاة، باب: ترك استعمال آل النبي على الصدقة، ولفظه: "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس".
(٨) في"الحجة": كالرفع. والمعنيان متقاربان، وقد اعتمد الرازي المعنى الذي ذكره المحؤلف فقال: (وإنما حسن جعل الصدقة مطهرة لما جاء أن الصدقة أوساخ الناس، فإذا أخذت الصدقة اندفعت تلك الأوساخ، فكان اندفاعها جاريًا مجرى التطهير). تفسير الرازي ١٦/ ١٧٩، والرازي كثير الاعتماد على "البسيط"، وعبارته تؤكد أن الواحدي أراد الدفع وليس الرفع.
(٩) في "الحجة": (ورفعه)، وانظر التعليق السابق.
(١٠) أهـ. كلام أبي علي، انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٢/ ٣٢٤.

صفحة رقم 34

تكون طهارة من جهة الحكم وإن لم تُزِل شيئاً نجسًا عن (١) أبدانهم كما (٢) أثبت نجاسة الحكم للمشركين في قوله: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة: ٢٨] أثبت طهارة الحكم للمسلمين بالصدقة، وعلى هذا الوجه في ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ تجعل: ﴿وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [منقطعًا عن الأول، أي: وأنت تزكيهم بها] (٣)، ويجوز أن تجعل (التاء) في في ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ ضمير المخاطب، ويكون المعنى: تطهرهم أنت أيها الآخذ بأخذها (٤) منهم، ويقوي هذا الوجه قوله تعالى: ﴿وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ لأن قوله: (تزكي) للآخذ (٥)، فكذلك (تطهير)، ولا يحسن الانقطاع مع إمكان الاتصال (٦).
وقوله: ﴿وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ أي: ترفعهم بهذه الصدقة من منازل المنافقين (٧) إلى منازل المخلصين، وإلى هذا المعنى أشار ابن عباس في تفسير هذا الحرف فقال: أقبل منهم (٨) وأتوب عليهم (٩).

(١) في (ح): (من).
(٢) السياق يقتضي أن يقول: (فكما).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ى).
(٤) في (ح): (بما تأخذها).
(٥) في (ح): (الآخذ).
(٦) في (ح): (الانفصال)، وهو خطأ.
(٧) لم يثبت أن هؤلاء كانوا منافقين، بل من عصاة المؤمنين، كما أخبر الله عنهم بقوله في الآية السابقة ﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ وليس في قول ابن عباس المذكور ما يؤيد ما ذكره المؤلف.
(٨) في (ح): (نبيهم)، وهو خطأ.
(٩) لم أجد من ذكره، ولفظ الأثر ومعناه غير متوافق مع الآية، وقد ذكر ابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ٤٩٦ عنه في تفسير قوله تعالى: ﴿وَتُزَكِّيهِمْ﴾ قال: (تصلحهم).

صفحة رقم 35

﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾، قال يريد: (ادع لهم) (١)، وذكرنا أن معنى الصلاة في اللغة: الدعاء، وهذا دليل على أن السنة للإمام إذا أخذ الصدقة أن يدعو للمتصدق فيقول: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت (٢)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم صل على آل أبي أوفى" (٣) [لما أتاه أبو أوفى] (٤) بصدقته (٥).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ وقرئ (صلاتك) على واحدة (٦)، قال أبو عبيد (٧): (الصلاة عندي أكثر من الصلوات؛ لأن الصلوات للجمع القليل، كقولك: ثلاث صلوات، وأربع (٨) وخمس) (٩).

(١) رواه بمعناه ابن جرير ١١/ ١٦، ١٧، ١٨، وابن أبي حاتم ٦/ ١٨٧٦.
(٢) روى أبو داود (١٥٨٣)، كتاب: الزكاة، باب: في زكاة السائمة، حديثًا طويلًا في الزكاة، وفيه: (فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقبضها -يعني زكاة ماله- ودعا له في ماله بالبركة).
(٣) هو: عبد الله بن أبي أوفى علقمة بن خالد الأسلمي، صحابي شهد الحديبية وعُمّر بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، مات سنة ٨٧ هـ وهو آخر من مات بالكوفة من الصحابة.
انظر: "الإصابة" ٢/ ٢٧٩، و"تقريب التهذيب" ٢٩٦ (٣٢١٩)
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ح).
(٥) رواه البخاري (١٤٩٧)، كتاب: الزكاة، باب: صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة، ومسلم (١٠٧٨)، كتاب: الزكاة، باب: الدعاء لمن أتى بصدقته.
(٦) قرأ حمزة والكسائي وخلف وحفص عن عاصم (إن صلاتك) بالتوحيد، وقرأ الباقون (إن صلواتك) بالجمع، انظر: "الغاية في القراءات العشر" ص ١٦٦، و"تقريب النشر" ص ١٢١.
(٧) في (ى): (أبو عبيدة)، وهو خطأ.
(٨) في (ح): (أربع صلوات)، وهذه الزيادة ليست في المصدر التالي.
(٩) انظر: "تفسير الثعلبي" ٦/ ١٤٥ ب.

صفحة رقم 36

وقال أبو حاتم: (من زعم أن الجمع بالتاء تقليل فقد غلط؛ لأن الله تعالى قال: ﴿مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ [لقمان: ٢٧]، لم يرد القليل) (١).
قال أبو علي الفارسي: (الصلاة مصدر يقع على الجميع والمفرد بلفظ واحد كقوله سبحانه: ﴿لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: ١٩] [فإذا اختلفت جاز أن يُجمع لاختلاف ضروبه كما قال: ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾] (٢) [لقمان: ١٩] ومن المفرد الذي يراد به الجميع قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥]، وقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ (٣) والمصدر إذا سمي به صار (٤) بالتسمية وكثرة الاستعمال كالخارجة (٥) عن حكم المصادر، وإذا (٦) جمعت (٧) المصادر إذا اختلفت نحو قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ﴾ [لقمان: ١٩] فأن يجمع ما صار بالتسمية كالخارج عن حكم المصادر أجدر) (٨).

(١) انظر: المصدر السابق، نفس الموضوع.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ح).
(٣) [البقرة: ٤٣، ٨٣، ١١٠، النساء: ٧٧، يونس: ٨٧، النور: ٥٦، الروم: ٣١، المزمل: ٢٠].
(٤) في (ى): (جاز)، وهو خطأ.
(٥) هكذا في جميع النسخ، والسياق يقتضي التذكير، وقد تصرف الواحدي في عبارة أبي علي ونصها: (وحسن ذلك جمعها حيث جمعت لأنه صار بالتسمية بها وكثرة الاستعمال لها كالخارجة عن..) الخ.
(٦) ساقط من (ح).
(٧) في (ح): (اجتمعت)، وهو خطأ.
(٨) "الحجة للقراء السبعة" ٤/ ٢١٤، ٢١٥ باختصار وتصرف.

صفحة رقم 37

وقال بعضهم: (الصلوات) في هذه السورة وفي هود (١) وفي المؤمنين (٢) مكتوبات (٣) في المصحف بالواو، والتي في (سأل سائل) مكتوبة بغير واو (٤)، فإذا اتجه الإفراد والجمع في العربية ورجح أحدَ (٥) الوجهين الموافقةُ لخط المصحف كان ذلك ترجيحًا يجعله أولى بالأخذ به، قال: (ومن زعم أن (الصلاة) أولى لأن (الصلاة) للكثرة (٦) و (الصلوات) للقليل (٧) فليس قوله بمتجه؛ لأن الجمع بالتاء قد يقع على الكثير كقوله: ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ﴾ [سبأ: ٣٧]، وقوله: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ [الأحزاب: ٣٥] (٨).
وقوله تعالى: ﴿سَكَنٌ لَهُمْ﴾ السكن في اللغة: ما سكنت إليه، فالمعنى: إن دعواتك مما تسكن إليه نفوسهم، قال ابن عباس: (يريد: دعاؤك رحمة لهم) (٩). وقال قتادة: (وقار لهم) (١٠).

(١) يعني قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ﴾ [هود: ٨٧].
(٢) في (ى): المؤمنون، وما أثبته موافق للمصدر التالي، والمقصود قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: ٩].
(٣) ساقط من (ى).
(٤) يعني قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المعارج: ٣٤].
(٥) في (ح): (إحدى).
(٦) في (ح): (لكثرة).
(٧) في (ح): (للتقليل).
(٨) "الحجة للقراء السبعة" ٤/ ٢١٧ ولم يعين القائل.
(٩) رواه مختصرًا دون قوله (دعاؤك) ابن جرير ١١/ ١٨، وابن أبي حاتم ٦/ ١٨٧٦، والثعلبي ٦/ ١٤٥ ب، ورواه بلفظ المؤلف البغوي في "تفسيره" ٤/ ٩١.
(١٠) رواه ابن جرير ١١/ ١٨، وابن أبي حاتم ٦/ ١٨٧٦، والثعلبي ٦/ ١٤٥ ب.

صفحة رقم 38
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية