
- ﷺ -، إذا ابتدأ سفراً أو رجع منه ابتدأ بالمسجد، فصلى فى ركعتين، فدخل فرأى فيه قوما موثقين، فسأل عنهم، فأخبر بخبرهم، وأنهم أقسموا ألا يحلوا أنفسهم حتى يحلهم رسول الله - ﷺ -، فقال رسول الله - ﷺ -: "وأنا أقسم لا أطلق عنهم حتى أومر، ولا أعذرهم حتى يعذرهم الله، فلما نزل فيهم القرآن حلهم النبي - ﷺ -.
قوله: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾، إلى قوله: ﴿التواب الرحيم﴾.
قوله: ﴿تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ﴾، هو خطاب للنبي عليه السلام.
أي: فإنك تطهرهم بها وتزكيهم، وهذا قول الزجاج.
وقيل: هما للصدقة، لا للمخاطبة، وهما في موضع النعت للصدقة، وهو قول الأخفش، قال: ويكون ﴿بِهَا﴾ توكيداً.
ف: " التاء " على القول الأول للمخاطبة، وفي ﴿تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ﴾ ضمير النبي ﷺ. وهي على القول الثاني: الثانية للصدقة لا للمخاطبة، وفي

﴿تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ﴾ ضمير الصدقة.
وقيل: هما للنبي عليه السلام، وهما في موضع الحال منه.
وقيل: ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ للصدقة، صفة [لها]، ﴿وَتُزَكِّيهِمْ﴾ للنبي عليه السلام، حال منه.
وأجاز بعض النحويين، في ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ الجزم؛ لأنه جواب الأمر.
وحجة من قرأ: ﴿صلاتك﴾ بالجمع هنا، وفي " هود "، وفي " المؤمنين "

إجماعهم على الجمع في: ﴿وَصَلَوَاتِ الرسول﴾ [التوبة: ٩٩] ولا فرق بينها والتي في سورة المؤمنين يراد بها الصلوات الخمس، فالجمع أولى به؛ ولأنها مكتوبة في المصحف بالواو، فدل ذلك على الجمع، وعلى أن الألف التي بعد الواو اختصرت/ من الكتاب.
وقد كتبوا ما عدا هذه الثلاثة بالألف، فدلت الواو في هذه الثلاثة على أنه جمع، وحذفت الألف بعد الواو كما حذفت من درجات وبينات.
ومن قرأ بالتوحيد، احتج بالإجماع في: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي﴾ [الأنعام: ١٦٢]، بالتوحيد، وإجماعهم على التوحيد في " الأنعام "، و ﴿سَأَلَ سَآئِلٌ﴾ [المعارج: ١].
وأيضاً فإن قوله: إنَّ صَلاَتَكَ أعم من: إن صلواتك؛ لأن الجمع إنما هو لما دون العشرة، فكأنه: " إنّ دعواتك "، والتوحيد بمعنى: " إنَّ دعاءك "، والدعاء أعم من "

الدعوات " وأكثر؛ لأن المصدر أعم من الجمع الذي لما دون العشرة.
ومعنى الآية: خذ يا محمد من أموال هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم [﴿صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾ من دنس ذنوبهم، ﴿وَتُزَكِّيهِمْ﴾، أي: تنميهم]، وترفعهم بها، ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾، أي: ادع لها بالمغفرة، ﴿إِنَّ صلاتك سَكَنٌ لَّهُمْ﴾، أي: إن دعاءك طمأنينة لهم، بأن الله قد عفا عنهم، ﴿والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، أي: سميع لدعائك إذا دعوت، ولغير ذلك.
قال ابن عباس: أتى أبو لُبابة وأصحابه حين أطلقوا، وتيب عليهم، بأموالهم إلى النبي ﷺ، فقالوا يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا، واستغفر لنا، فقال: ما أُمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً، فأنزل الله، تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾، الآية.
وقد قيل: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾: منسخٌ بقوله: ﴿وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً﴾ [التوبة: ٨٤].
وقيل: إنَّها محكمة.

والمعنى: وادع لهم إذ جاءوك بالصدقات، وعلى هذا أكثر العلماء.
وقال قتادة: ﴿سَكَنٌ لَّهُمْ﴾، وقَارٌ لهم.
وقال زيد بن أسلم: قالوا: يا رسول الله، خذ من أموالنا صدقة تطهرنا بها، فأبى النبي ﷺ، أن يأخذ.
فأنزل الله تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾، الآية.
قال سعيد بن جبير: كان الثلاثة إذا (اشتكى أحدهم).
اشتكى الآخران مثله، وكان قد عَمِيَ، فلم يزل الآخر يدعو حتى عَمِيَ.
وقال ابن عباس: ﴿سَكَنٌ لَّهُمْ﴾: رحمه لهم.
وقيل: إنَّ هذا إنَّما هو في الزكاة، أمر أن يأخذ زكاة أموالهم التي عليهم.

ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ يعلموا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ﴾.
أخبر الله تعالى، في هذه الآية بقَبول توبة من تاب من المناقين وغيرهم، وأخذ الصدقات من أموالهم.
فالمعنى: ألم يعلم هؤلاء الذين تخلفوا عن الجهاد، ثم ندموما وربطوا أنفسهم بالسواري وقالوا: لا نطلق أنفسها حتى يكون النبي صلى الله عليه سولم، هو الذي يطلقنا، أن ذلك (ليس) إلى النبي صلى الله عليه [وسلم]، ولا إلى غيره، وإنما هو إلى الله سبحانه، هو يقبل توبتهم، وتوبة غيرهم، ويأخذ صدقة من تصدق، بصدقةٍ، ويعلموا أن الله هو التواب الرحيم.
قال ابن زيد: قال المنافقون لما تاب الله على هؤلاء: كانوا بالأمس، لا يُكلَّمون ولا يُجَالَسُون، فما لهم اليوم يُكلَّمون ويُجالَسُون؟ فأنزل الله تعالى، ألم يعلم هؤلاء الذين لم يتوبوا وتكلموا في هؤلاء الذين تُبت عليهم ﴿وَأَنَّ الله هُوَ التواب الرحيم﴾، الآية.
قال ابن عباس: ﴿وَأَنَّ الله هُوَ التواب الرحيم﴾، يعني إن استقاموا على/التوبة.
روى أبو هريرة عن النبي ﷺ، أنه قال: " إن الله يقْبلُ، الصدقة ويأخذها بيمينه، فيرُبِّيها لأحدكم كما يُربِّى أحدكم مهرة، حتى إنَّ اللقمة لَتَصير مثل أحد.