آيات من القرآن الكريم

فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا
ﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚ ﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ

(٨٤) سورة الانشقاق مكيّة وآياتها خمس وعشرون
[سورة الانشقاق (٨٤) : الآيات ١ الى ١٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (٤)
وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (٦) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (٩)
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤)
بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥)
اللغة:
(وَأَذِنَتْ) استمعت أمره يقال أذنت لك أي استمعت كلامك، وفي الحديث: «ما أذن الله لشيء إذنه لنبي يتغنى بالقرآن» وقال الشاعر:

صفحة رقم 419

صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
وفي المختار: «وأذن له استمع وبابه طرب ومنه قوله تعالى:
وأذنت لربها وحقّت»
ويقال: أذن يأذن أذنا إليه وله استمع له معجبا أو عام ولرائحة الطعام اشتهاه وأذن بالشيء كسمع إذنا بالكسر ويحرّك وأذانا وأذانة علم به، فأذنوا بحرب أي كونوا على علم وآذنه الأمر وبه أعلمه وأذّن تأذينا أكثر الإعلام وفلانا عرك أذنه ورده عن الشرب فلم يسقه والنعل وغيرها جعل لها أذنا، وفعله بإذني وأذيني: بعلمي، وأذن له في الشيء كسمع إذنا بالكسر وأذينا أباحه له، واستأذنه: طلب منه الإذن إلى آخر هذه المادة العجيبة.
(كادِحٌ) جاهد في عملك والكدح جهد النفس في العمل والكد فيه حتى يؤثر فيها من كدح جلده إذا خدشه وفي المختار: «الكدح العمل والسعي والكد والكسب وهو الخدش أيضا وباب الكل قطع وقوله تعالى: إنك كادح إلى ربك أي ساع وبوجهه كدوح أي خدوش وهو يكدح لعياله ويكتدح أي يكتسب» ومن طريف أمر الكاف والدال إذا وقعا فاء وعينا للكلمة دلّت على الجهد والدأب والتأثير يقال فلان كدود: يكدّ نفسه في العمل ويتعبها. ومن المجاز كدّ لسانه بالكلام وقلبه بالفكر وكدّت الدواب الأرض بالحوافر وهي الكديد وكردت رأسي وجلدي بالأظفار إذا حككته حكا بإلحاح ومنه قول كثير:
غنيت فلم أرددكم عن بغيّة وجعت فلم أكددكم بالأصابع
أي لم ألح عليكم في السؤال وبئر كدود لا ينال ماؤها إلا بجهد وناقة كدود ورجل كدود: لا ينال درّها وخيره إلا بعد عسر، وكان ابن هبيرة يقول: كدوني فإني مكد أي سلوني فإني أعطي على السؤال، وكدر الماء عن ابن الأعرابي فيه اللغات الثلاث وماء أكدر وكدر بين

صفحة رقم 420

الكدر ومن المجاز كدر عينه وتكدر وخذ ما ضفا ودع ما كدر وكدر عليّ فلان وهو كدر الفؤاد عليّ قال:

وإني لمشتاق إلى ظل صاحب يرق ويصفو إن كدرت عليه
وله كدس من الطعام وأكداس قال المتلمس:
لم تدر بصرى بما آليت من قسم ولا دمشق إذا ديس الكداديس
أراد الأكداس وهو اسم جمع وكدس الطعام فتكدس ولا يخفى ما فيه من الثقل والجهد. وكدمه عضّه بأدنى الفم وحمار مكدّم معضض.
وإنه لذو كدنة وعبالة وهي غلظ وثقله ومنه الكودن وهو البرذون التركي.
وأكدى الحافر بلغ الكدية وهي صلابة الأرض فمنعته كقولهم أجبل الحافر، ومن المجاز أكدى الرجل: أخفق ولم يظفر بحاجته وفلان مكد لا ينمى ماله إلى آخر ما جاء من هذه المادة.
(ثُبُوراً) الثبور الهلاك وفي المصباح: «وثبر الله الكافر ثبورا من باب قعد أهلكه وثبر هو ثبورا هلك يتعدى ولا يتعدى».
(يَحُورَ) يرجع، قال الراغب: الحور التردد في الأمر ومنه نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي من التردد في الأمر بعد المضي فيه ومحاورة الكلام مراجعته، والحور العود الذي تجري فيه البكرة لترددها عليه، وفي المختار: «حار رجع وبابه قال ودخل» فالمصدر بوزن قول ودخول يقال حورا وحئورا ومحارا ومحارة. هذا وتأتي حار بمعنى صار فترفع الاسم وتنصب الخبر.
الإعراب:
(إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) إذا ظرف لما يستقبل من

صفحة رقم 421

الزمن والسماء فاعل بفعل محذوف يفسّره ما بعده والتقدير إذا انشقّت السماء انشقت لأن إذا الشرطية يختص دخولها بالجمل الفعلية وما جاء من هذا ونحوه فمؤول محافظة على قاعدة الاختصاص وقد تقدم القول مفصلا فيه في سورة التكوير، وجملة انشقت مفسّرة لا محل لها وجملة انشقت المحذوفة في محل جر بإضافة الظرف إليها وجواب إذا محذوف وإنما حذف تنبيها على أنه شيء لا يحيط به الوصف أو ليذهب المقدّر كل مذهب وقيل جوابها ما دلّ عليه فملاقيه أي إذا السماء انشقت لاقى الإنسان كدحه وقيل لا جواب لها إذ هي قد نصبت باذكر نصب المفعول به فليست شرطا، والواو حرف عطف وأذنت فعل ماض ولربها متعلقان بأذنت أي استمعت له وحقّت فعل ماض مبني للمجهول، واعلم أن الفاعل في هذا التركيب هو الله تعالى أي حقّ الله عليها ذلك أي سمعه وطاعته يقال هو حقيق بكذا وتحقق به والمعنى وحقّ لها أن تفعل ذلك فالفاعل إذن محذوف وهو الله تعالى والمفعول به هو سمعها وطاعتها وهو غير مذكور بل الإسناد في الآية إنما هو للسماء نفسها فيحتاج إلى تقدير والتقدير وحقّت هي أي حقّ سمعها وطاعتها أي حقّه الله تعالى عليها وأوجبه وألزمها به هذا هو الظاهر، وأجاز البيضاوي أن يكون نائب الفاعل هو ضمير السماء المستكن في الفعل من غير تقدير ونص عبارته «وحقّت أي جعلت حقيقة بالاستماع والانقياد» (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ، وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) عطف على ما تقدم مماثل له في إعرابه (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) يا حرف نداء وأي منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب والهاء للتنبيه والإنسان بدل وإن واسمها وكادح خبرها وإلى ربك متعلقان بكادح، و «إلى» هنا معناها الغاية أي غاية كدحك في الخير والشر تنتهي بلقاء ربك وهو الموت، وكدحا مفعول مطلق والفاء حرف عطف وملاقيه عطف على كادح ويجوز أن يكون خبر المبتدأ محذوف أي فأنت ملاقيه

صفحة رقم 422

فعلى الأول يكون من عطف المفرد على المفرد وعلى الثاني يكون من باب عطف الجمل (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) الفاء استئنافية وأما حرف شرط وتفصيل ومن اسم موصول مبتدأ وجملة أوتي صلة لا محل لها ونائب الفاعل مستتر يعود على من وكتابه مفعول به ثان وبيمينه متعلقان بأوتي (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) الفاء رابطة لجواب أما وسوف حرف استقبال ويحاسب فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر تقديره هو وحسابا مفعول مطلق ويسيرا نعت حسابا (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) الواو حرف عطف وينقلب فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر تقديره هو وإلى أهله متعلقان بينقلب ومسرورا حال وجملة سوف يحاسب خبر من (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) عطف على الجملة السابقة مماثل له في إعرابه ووراء ظهره منصوب بنزع الخافض أي يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره والفاء رابطة وجملة سوف يدعو ثبورا خبر من وثبورا مفعول يدعو أي ينادي هلاكه بقوله يا ثبوراه لأن نداء ما لا يعقل يراد به التمنّي فالدعاء بمعنى الطلب بالنداء (وَيَصْلى سَعِيراً) عطف على يدعو وسعيرا مفعول يصلّى (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) تعليل لما يلاقيه وإن واسمها وجملة كان خبرها وفي أهله حال ومسرورا خبر كان (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) تعليل ثان وإن واسمها وجملة ظن خبرها والظن هنا بمعنى العلم والتيقن وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ولن حرف نفي ونصب واستقبال ويحور فعل مضارع منصوب بلن وجملة لن يحور خبر أن وأن وما في حيّزها سدّت مسدّ مفعولي ظن (بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) بلى حرف جواب لإيجاب ما بعد النفي وإن واسمها وجملة كان خبرها وبه متعلقان ببصيرا وبصيرا خبر كان وجملة إن وما في حيّزها جواب قسم مقدّر أو تعليل لما أفادته بلى من إيجاب لما بعد لن.

صفحة رقم 423
إعراب القرآن وبيانه
عرض الكتاب
المؤلف
محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش
الناشر
دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
سنة النشر
1412 - 1992
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية