آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ
ﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧ ﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ

تجاوز الحد في وفاء ونقصان، والمعنى والقرائن بحسب قول قول تبين المراد وهذا عندي جد صحيح، وقد بين تعالى أن التطفيف إنما أراد به أمر الوزن والكيل، واكْتالُوا عَلَى النَّاسِ معناه: قبضوا منهم وكالُوهُمْ معناه: قبضوهم، يقال: كلت منك واكتلت عليك، ويقال: وكلت لك فلما حذفت اللام تعدى الفعل، قال الفراء والأخفش.
وأنشد أبو زيد: [الكامل]

ولقد جنتك أكمؤا وعساقلا ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
وعلى هذا المعنى هي قراءة الجمهور، وكان عيسى بن عمر يجعلها حرفين ويقف على «كالوا» و «وزنوا» بمعنى: هم يخسرون إذا كالوا ووزنوا. ورويت عن حمزة، فقوله: «هم» تأكيد للضمير، وظاهر هذه الآية يقتضي أن الكيل والوزن على البائع وليس ذلك بالجلي، وصدر الآية هو في المشترين، فذمهم بأنهم يَسْتَوْفُونَ ويشاحون في ذلك، إذ لا تمكنهم الزيادة على الاستيفاء لأن البائع يحفظ نفسه، فهذا مبلغ قدرتهم في ترك الفضيلة والسماحة المندوب إليها، ثم ذكر أنه إذا باعوا أمكنهم من الظلم والتطفيف أن يخسروا لأنهم يتولون الكيل للمشتري منهم وذلك بحالة من يخسر البائع إن قدر، ويُخْسِرُونَ معدى بالهمزة يقال: خسر الرجل وأخسره غيره، والمفعول ل كالُوهُمْ محذوف، ثم وقفهم تعالى على أمر القيامة وذكرهم بها وهذا مما يؤيد أنها نزلت بالمدينة في قوم من المؤمنين وأريد بها مع ذلك من غبر من الأمة، ويَظُنُّ هنا بمعنى: يعلم ويتحقق، و «اليوم العظيم» : يوم القيامة، ويَوْمَ ظرف عمل فيه فعل مقدر يبعثون ونحوه، وقال الفراء: هو بدل من لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، لكنه بني ويأبى ذلك البصريون، لأنه مضاف إلى معرب، وقام الناس فيه لِرَبِّ الْعالَمِينَ يختلف الناس فيه بحسب منازلهم، فروى عبد الله بن عمر عن النبي ﷺ أنه قال: «يقام فيه خمسين ألف سنة». وهذا بتقدير شدته، وقيل: ثلاثمائة سنة، قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عمر: مائة سنة وقيل ثمانون سنة، وقال ابن مسعود:
أربعون سنة رافعي رؤوسهم إلى السماء لا يؤمرون ولا يكلمون، وقيل غير هذا، ومن هذا كله آثار مروية ومعناها: إن لكل قوم مدة ما تقتضي حالهم وشدة أمرهم ذلك. وروي أن القيام فيه على المؤمن على قدر ما بين الظهر إلى العصر، وروي عن بعض الناس: على قدر صلاة، وفي هذا القيام هو إلجام العرق للناس، وهو أيضا مختلف، ويروى عن النبي ﷺ من طريق عقبة بن عامر: «أنه يلجم الكافر إلجاما»، ويروى أن بعض الناس يكون فيه إلى أنصاف ساقيه وبعضهم إلى فوق، وبعضهم إلى أسفل.
قوله عز وجل:
[سورة المطففين (٨٣) : الآيات ٧ الى ١٧]
كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (٨) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١)
وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣) كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦)
ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧)

صفحة رقم 450

هذه الآية وما بعدها يظهر أنها من نمط المكي، وهذا أحد الأقوال التي ذكرناها قبل، وكَلَّا يجوز أن يكون ردّا لأقوال قريش، ويحتمل أن يكون استفتاحا بمنزلة «ألا»، وهذا قول أبي حاتم واختياره، و «الفجار» الكفار، وكتابهم يراد فيه الذي فيه تحصيل أمرهم وأفعالهم، ويحتمل عندي أن يكون المعنى وعدادهم وكتاب كونهم هو في سجين، أي هنالك كتبوا في الأزل، وقرأ أبو عمرو والأعرج وعيسى:
الفُجَّارِ بالإمالة والْأَبْرارِ [المطففين: ١٨] بالفتح قاله أبو حاتم، واختلف الناس في: سِجِّينٍ ما هو؟ فقال الجمهور: هو فعيل من السجن كسكير وشريب أي في موضع ساجن، فجاء بناء مبالغة، قال مجاهد: وذلك في صخرة تحت الأرض السابعة، وقال كعب حاكيا عن التوراة وأبيّ بن كعب: هو في شجرة سوداء هنالك، وقيل عن النبي صلى الله عليه وسلم: في بر: هنالك وقيل تحت خد إبليس، وقال عطاء الخراساني: هي الأرض السفلى، وقاله البراء بن عازب عن النبي ﷺ وقال عكرمة:
سِجِّينٌ، عبارة عن الخسران والهوان، كما نقول: بلغ فلان الحضيض إذا صار في غاية الخمول، وقال قوم من اللغويين: سِجِّينٌ نونه بدل من لام هو بدل من «السجيل». وقوله تعالى: وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ تعظيم لأمر هذا السجين وتعجب منه، ويحتمل أن يكون تقرير استفهام، أي هذا مما لم يكن يعرفه قبل الوحي. وقوله تعالى: كِتابٌ مَرْقُومٌ من قال بالقول الأول في سِجِّينٍ ف كِتابٌ مرتفع عنده على خبر إِنَّ، والظرف الذي هو: لَفِي سِجِّينٍ ملغى، ومن قال في سِجِّينٍ بالقول الثاني ف كِتابٌ مرتفع على خبر ابتداء مضمر، والتقدير هو كتاب مرقوم، ويكون هذا الكلام مفسر في السجين ما هو؟ ومَرْقُومٌ معناه: مكتوب، رقم لهم بشر، ثم أثبته تعالى لِلْمُكَذِّبِينَ بيوم الحساب والدين بالويل، وقوله: يَوْمَئِذٍ، إشارة إلى ما يتضمنه المعنى في قوله كِتابٌ مَرْقُومٌ، وذلك أنه يتضمن أنه يرتفع ليوم عرض وجزاء، وبهذا يتم الوعيد ويتجه معناه و «المتعدي» : الذي يتجاوز حدود الأشياء، و «الأثيم» : بناء مبالغة في آثم، وقرأ الجمهور: «تتلى»، بالتاء، وقرأ أبو حيوة: «يتلى»، بالياء من تحت، و «الأساطير» : جمع أسطورة وهي الحكايات التي سطرت قديما، وقيل هو جمع: أسطار، وأسطار: جمع سطر، ويروى أن هذه الآية نزلت بمكة في النضر بن الحارث بن كلدة وهو الذي كان يقول: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وكان هو قد كتب بالحيرة أحاديث رستم واسبنذباذ، وكان يحدث بها أهل مكة، ويقول أنا أحسن حديثا من محمد، فإنما يحدثكم ب أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وقوله تعالى: كَلَّا زجر ورد لقولهم: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، ثم أوجب أن ما كسبوا من الكفر والطغيان والعتو، قد رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ، أي غطى عليها وغلب فهم مع ذلك لا يبصرون رشدا ولا يخلص إلى قلوبهم خير، ويقال: رانت الخمر على عقل شاربها وران الغش على قلب المريض، وكذلك الموت، ومنه قول الشاعر: [الخفيف] ثم لما رآه رانت به الخمر وإن لا يرينه باتقاء

صفحة رقم 451
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية