آيات من القرآن الكريم

فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّىٰ
ﭑﭒ ﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵ ﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅ ﮇﮈ ﮊﮋ ﮍﮎ

سورة عبس
وهي مكّيّة كلّها بإجماعهم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة عبس (٨٠) : الآيات ١ الى ١٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨) وَهُوَ يَخْشى (٩)
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤)
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ (١٦)
قوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى.
(١٥١٢) قال المفسرون: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوماً يناجي عتبة بن ربيعة، وأبا جهل بن هشام، وأُمية وأُبَيَّاً ابني خلف، ويَدْعوهم إلى الله تعالى، ويرجو إسلامهم، فجاء ابن أم مكتوم الأعمى، فقال:
علِّمني يا رسول الله مما علَّمك الله، وجعل يناديه، ويكرِّر النداء، ولا يدري أنه مشتغل بكلام غيره حتى ظهرت الكراهية في وجهه صلّى الله عليه وسلم لقطعه كلامه، فأعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأقبل على القوم يكلِّمهم، فنزلت هذه الآيات، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يكرمه بعد ذلك، ويقول: مرحباً بمن عاتبني فيه ربّي.
أصله محفوظ. أخرجه الطبري ٣٦٣٩ من حديث ابن عباس بنحوه، وإسناده واه عطية العوفي واه، وعنه مجاهيل. وذكره ابن كثير في «تفسيره» ٤/ ٥٥٦ وقال: فيه غرابة ونكارة. لكن أصل الحديث قوي له شواهد.
وله شواهد كثيرة، وأحسن شيء في هذا الباب: ما أخرجه الترمذي ٣٣٣١ وابن حبان ٥٣٥ والحاكم ٢/ ٥١٤ والطبري ٣٦٣١٨ والواحدي في «أسباب النزول» ٨٤٥ من حديث عائشة قالت: «أنزل عَبَسَ وَتَوَلَّى في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله صلّى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين فجعل رسول الله يعرض عنه، ويقبل على الآخر ويقول: أترى بما تقول بأسا، فيقال: لا ففي هذا أنزل». وإسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه الحاكم على شرطهما، لكن قال: وأرسله جماعة عن هشام بن عروة عن عروة ليس فيه ذكر عائشة.
قلت: والمرسل، أخرجه مالك ١/ ٢٠٣، ومراسيل عروة جياد. وله شاهد من مرسل قتادة، أخرجه الطبري ٣٦٣٢٢. وله شاهد من مرسل الضحاك، أخرجه الطبري ٣٦٣٢٥. وله شاهد من مرسل عبد الرحمن بن زيد، أخرجه الطبري ٣٦٣٢٦. وله شاهد من مرسل مجاهد والحسن، أخرجه الطبري ٣٦٣٢٢.
الخلاصة: رووه بألفاظ متقاربة، والمعنى متحد، وأن الآيات نزلت في شأن ابن أم مكتوم.
فالحديث حسن أو صحيح بمجموع طرقه وشواهده. وانظر «أحكام القرآن» ٢٢٦٣.

صفحة رقم 399

(١٥١٣) وذهب قوم، منهم مقاتل، إلى أنه إنما جاء ليؤمن، فأعرض عنه النبيّ صلّى الله عليه وسلم اشتغالاً بالرؤساء، فنزلت فيه هذه الآيات.
ومعنى: عَبَسَ قطَب وكَلَح وَتَوَلَّى أعرض بوجهه أَنْ جاءَهُ أي: لأن جاءه. وقرأ أُبَيُّ بن كعب، والحسن، وأبو المتوكل، وأبو عمران، «آن جاءه» بهمزة واحدة مفتوحة ممدودة. وقرأ ابن مسعود، وابن السميفع «أَأَن» بهمزتين مقصورتين مفتوحتين. والْأَعْمى هو ابن مكتوم، واسمه عمرو بن قيس. وقيل: اسمه عبد الله بن عمرو وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أي: يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح، وما يتعلَّمه منك، وقال مقاتل: لعله يؤمن أَوْ يَذَّكَّرُ أي: يتعظ بما يتعلمه من مواعظ القرآن فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى قرأ حفص عن عاصم «فتنفعه» بفتح العين، والباقون بضمّها. قال الزجاج: من نصب، فعلى جواب «لعل»، ومن رفع، فعلى العطف على «يزَّكَّى».
قوله عزّ وجلّ: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى قال ابن عباس: استغنى عن الله وعن الإيمان بماله. قاله مجاهد:
«أما من استغنى» عتبة، وشيبة، فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى. قرأ ابن كثير، ونافع «تصَّدَّى» بتشديد الصاد. وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، «تَصَدَّى» بفتح التاء، والصاد وتخفيفهما وقرأ أُبيُّ بنُ كعبٍ، وأبو الجوزاء، وأبو عمرو بن دينار: «تَتَصَدَّى» بتاءين مع تخفيف الصاد، قال الزّجّاج:
والأصل: تتصدى، ولكن حذفت التاء الثانية لاجتماع تاءين، ومن قرأ «تَصَدَّى» بإدغام التاء، فالمعنى أيضاً: تتصدى، إلا أن التاء أدغمت في الصاد لقرب مخرج التاء من الصاد. قال ابن عباس: «تَصَدَّى» تقبل عليه بوجهك. وقال ابن قتيبة: تتعرض. وقرأ ابن مسعود وابن السميفع، والجحدري «تُصْدَى» بتاء واحدة مضمومة، وتخفيف الصاد.
قوله عزّ وجلّ: وَما عَلَيْكَ أي: أي شيءٍ عليك في أن لا يُسْلِمَ مَنْ تدعوه إلى الإسلام؟ يعني:
أنه ليس عليه إلّا البلاغ.
قوله وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى فيه قولان: أحدهما: يمشي. والثاني: يعمل في الخير، وهو ابن أم مكتوم وَهُوَ يَخْشى الله فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى وقرأ ابن مسعود، وطلحة بن مصرف، وأبو الجوزاء «تتلهى» بتاءٍ واحدة خفيفة مرفوعة. قال الزجاج: أي: تتشاغل عنه. يقال: لهيت عن الشيء ألهى عنه: إذا تشاغلت عنه.
قوله عزّ وجلّ: كَلَّا أي: لا تفعل ذلك: إِنَّها في المكني عنها قولان: أحدهما: آيات القرآن، قاله مقاتل. والثاني: هذه السورة، قاله الفراء. «والتذكرة» بمعنى التذكير فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ مفسر في آخر المدثر «١». ثم أخبر بجلالة القرآن عنده فقال عزّ وجلّ: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ أي: هو في صحف، أي: في كتب مكرَّمة، وفيها قولان: أحدهما: أنها اللوح المحفوظ، قاله مقاتل. والثاني: كتب الأنبياء، ذكره الثعلبي. فعلى هذا يكون معنى مَرْفُوعَةٍ عالية القدر، وعلى الأول يكون رفعها كونها في السماء.

هذا قول ضعيف ليس بشيء، والصواب ما تقدم. انظر الروايات المتقدمة.
__________
(١) المدثر: ٥٥. [.....]

صفحة رقم 400
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية