
قَوْله تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى﴾ قرئَ: " أسرى، وأسارى ". قَالَ أهل اللُّغَة: أسرى جمع أَسِير، وأسارى جمع الْجمع. وَحكى الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء أَنه قَالَ: الأسرى هم المأخوذون من غير شدّ، وَالْأسَارَى هم الَّذين أخذُوا وشدوا. وَالأَصَح عِنْد أهل اللُّغَة أَنه لَا فرق بَينهمَا، قَالَه الْأَزْهَرِي.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿حَتَّى يثخن فِي الأَرْض﴾ الْإِثْخَان: الْقَتْل، وَقيل: الْمُبَالغَة فِي التنكيل.
﴿تُرِيدُونَ عرض الدُّنْيَا﴾ بالإفداء.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالله يُرِيد الْآخِرَة﴾ مَعْنَاهُ: يرغبكم فِي الْآخِرَة، وَقَوله: ﴿وَالله عَزِيز حَكِيم﴾ قد ذكرنَا معنى الْعَزِيز الْحَكِيم.
وَاعْلَم أَن الْآيَة نزلت فِي أُسَارَى بدر؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ: " أَن النَّبِي قتل سبعين يَوْم بدر، وَأسر سبعين من الْمُشْركين، ثمَّ إِنَّه اسْتَشَارَ أَصْحَابه فِي الْأُسَارَى، فَقَالَ أَبُو بكر - رَضِي الله عَنهُ -: هَؤُلَاءِ قَوْمك وأسرتك وَأهْلك، اسْتَبْقِهِمْ لَعَلَّ الله أَن يهْدِيهم بك، وَخذ مِنْهُم الْفِدَاء؛ فَيكون مَعُونَة للْمُسلمين. وَقَالَ عمر: هَؤُلَاءِ آذوك وَأَخْرَجُوك وَكَفرُوا بِمَا جِئْت بِهِ فَاضْرب أَعْنَاقهم. فَمَال الرَّسُول إِلَى قَول أبي بكر وَأحب مَا ذكره ".
وَرُوِيَ " أَنه قَالَ لأبي بكر: مثلك مثل إِبْرَاهِيم حِين قَالَ: ﴿فَمن تَبِعنِي فَإِنَّهُ مني وَمن عَصَانِي فَإنَّك غَفُور رَحِيم﴾ وَقَالَ لعمر: مثلك مثل نوح حِين قَالَ: ﴿رب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا﴾ " ثمَّ قَالَ لأَصْحَابه: لَا يخلين أحد مِنْكُم

﴿أَخَذْتُم عَذَاب عَظِيم (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُم حَلَالا طيبا وَاتَّقوا الله إِن الله غَفُور رَحِيم﴾ عَن أَسِير إِلَّا بِفِدَاء أَو بِضَرْب عُنُقه ففادوا وَكَانَ الْفِدَاء لكل أَسِير أَرْبَعِينَ أُوقِيَّة، الْأُوقِيَّة أَرْبَعُونَ درهما، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة إِلَى آخرهَا.
صفحة رقم 280