آيات من القرآن الكريم

۞ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ

وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ، فيه أقوال: قيل: هم المنافِقُونَ، وقيل: فَارس، وقيل: غير هذا.
قال ع «١» : ويحسُنُ أن يقدَّر قوله: لاَ تَعْلَمُونَهُمُ، بمعنى: لا تَعْلَمُونهم فَازِعِينَ رَاهِبينَ.
وقال ص: لا تعلمُونَهُمْ بمعنى: لا تَعْرِفُونهم، فيتعدَّى لواحدٍ، ومَنْ عدَّاه إِلى اثنين، قدَّره: محاربين، واستُبْعِدَ لعدم تقدُّم ذكره، فهو ممنوعٌ عند بعضهم، وعزيز جدّا عند بعضهم انتهى.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٦١ الى ٦٣]
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣)
وقوله سبحانه: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها جَنَحَ الرَّجُلُ إِلى الأمْرِ إِذا مال إِليه، وعاد الضميرُ في «لها» مؤنَّثاً إِذ «السَّلْم» بمعنى المسالمة والهُدْنَة، وذهب جماعةٌ من المفسِّرين إِلى أَن هذه الآية منسوخةٌ، والضمير في «جَنَحُوا» هو للذين نُبِذَ إِليهم على سواءٍ.
وقوله سبحانه: وَإِنْ يُرِيدُوا/ أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ... الآية: الضمير في قوله: «وإِن يريدوا» عائدٌ على الكفَّار الذين قال فيهم: وَإِنْ جَنَحُوا، أي: وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ، بأنْ يُظْهِروا السَّلْم، ويُبْطِنُوا الغَدْر والخيانة، فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ، أي:
كافيك ومعطيك نصره، وأَيَّدَكَ: معناه: قوَّاك وَبِالْمُؤْمِنِينَ، يريد الأنصارَ، بذلك تظاهَرَتْ أقوالُ المفسَّرين.
وقوله: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ... الآية: إشارة إلى العداوة التي كانَتْ بين الأوْسِ والخَزْرَجِ.
قال ع «٢» : ولو ذَهَبَ ذاهبٌ إِلى عمومِ المؤمنين في المهاجرين والأنصارِ، وجعل التأليف ما كَانَ بيْنَ جميعهم من التحابِّ، لساغ ذلك، وقال ابنُ مَسْعُود: نزلَتْ هذه الآية في المتحابِّين في الله «٣».

(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٥٤٧).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٥٤٨).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦/ ٢٨١) برقم: (١٦٢٧٥)، وابن كثير (٢/ ٣٢٣)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٣٦١)، وزاد نسبته إلى ابن المبارك، وابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا في كتاب «الإخوان»، والنسائي، والبزار، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، والحاكم، وصححه.

صفحة رقم 151

وقال مجاهد: إِذا تَرَاءَى المتحابَّانِ في اللَّه، وتصَافَحَا، تَحَاتَّتْ خطاياهما، فقال له عَبْدَةُ بنُ أبي لُبَابَةَ «١» : إِن هذا لَيَسِيرٌ، فقال له: لا تَقُلْ ذلك، فإِن اللَّه تعالَى يَقُولُ: لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، قال عَبْدَةُ: فعرفْتُ أنه أفْقَهُ مني «٢».
قال ع «٣» : وهذا كلُّه تمثيلٌ حَسَنٌ بالآية، لا أنَّ الآية نزلَتْ في ذلك، وقد رَوَى سهْلُ بن سعد، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قَالَ: «المؤمن مَألَفَةٌ لاَ خَيْرَ فِيمَنْ لاَ يَأْلَفُ وَلاَ يُؤلَفُ» «٤».
قال ع «٥» : والتشابه سَبَبُ الأُلْفَة، فمَنْ كان من أهْل الخَيْر، أَلِفَ أشباهَهُ وأَلِفُوهُ.
ت: وفي «صحيح البخاريِّ» :«الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فما تَعَارَفَ مِنْهَا ائتلف، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اختلف» «٦». انتهى، وروى مالكٌ في «الموطإ»، عن أبي هريرة قال: قَالَ

(١) عبدة بن أبي لبابة الأسدي الغاضري بمعجمتين مولاهم أبو القاسم البزّاز الكوفي الفقيه نزيل دمشق. عن عمر في مسلم مرسلا وابن عمر وعبد الله بن عمرو وجماعة، وعنه حبيب بن أبي ثابت والأعمش وابن جريج والسفيانان، وثقه أبو حاتم.
قال الأوزاعي: لم يقدم علينا أفضل منه.
قال ابن عيينة: جالسته سنة ثلاث وعشرين ومائة.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ١٨٩)، «طبقات خليفة» (١٦٠)، «التاريخ الكبير» (٦/ ١١٤)، و «تهذيب التهذيب» (٦/ ٤٦١).
(٢) أخرجه الطبري (٦/ ٢٨٠) برقم: (١٦٢٧٤)، وذكره ابن عطية (٢/ ٥٤٨)، وابن كثير (٢/ ٣٢٣).
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٥٤٨).
(٤) أخرجه أحمد (٥/ ٣٣٥)، والطبراني في «الكبير» (٦/ ١٣١) رقم: (٥٧٤٤)، والخطيب (١١/ ٣٧٦) من طريق مصعب بن ثابت، عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي به.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٨/ ٩٠) وقال: رواه أحمد والطبراني، وفيه مصعب بن ثابت، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه ابن معين وغيره، وبقية رجاله ثقات اه.
وذكره أيضا في (١٠/ ٢٧٦) وقال: وإسناده جيد.
(٥) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٥٤٩).
(٦) أخرجه مسلم (٤/ ٢٠٣١) في البر والصلة، باب: الأرواح جنود مجنّدة، (١٥٩/ ٢٦٣٨)، وأحمد (٢/ ٢٩٥، ٥٢٧)، والخطيب في «التاريخ» (٣/ ٣٢٩) (٤/ ٣٥٢) من طريق سهل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة به. وكذا أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (٩٠٨).
وأخرجه أبو داود (٢/ ٦٧٥) في «الأدب» باب: من يؤمر أن يجالس (٤٨٣٤)، وأحمد (٢/ ٥٣٩) من طريق جعفر بن يرقان، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة به.
وأخرجه البغوي في «شرح السنة» (٦/ ٤٦٠) برقم: (٣٣٦٥) بتحقيقنا من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
ويشهد له حديث عائشة، رواه البخاري في «الأدب المفرد» (٩٠٦- ٩٠٧)، وأبو يعلى (٤٣٨١)،

صفحة رقم 152
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية