
ستدخل النار، وقال أبو عبيدة: الفاقرة: الداهية يقال: عمل بها الفاقرة وأصلها الوسم على أنف البعير بحديدة أو بنار حتى يخلص إلى العظم، وقال الكلبي: منكرة من العذاب وهي الحجاب.
كَلَّا إِذا بَلَغَتِ يعني النفس كناية عن غير مذكور التَّراقِيَ فيحشرج بها عند الموت، والتراقي: العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين وشمال، وقال دريد بن الصمة:
وربّ عظيمة دافعت عنهم | وقد بلغت نفوسهم التراقي «١» |
وقال من حضره مَنْ راقٍ
هل من طبيب يرقيه ويداويه فيشفيه. قال قتادة:
التمسوا له الأطباء فلم يغنوا عنه من قضاء شيئا.
أخبرني الحسين قال: حدّثنا السني أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي قال: حدّثنا مسدّد بن مسرهد عن خالد بن عبد الله عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كوى غلاما له فقلت أتكوى قال: نعم هوّدوا العرب.
أخبرنا ابن مسعود أن رسول الله (عليه السلام) قال: «إن الله سبحانه لم ينزل داء إلّا وقد أنزل معه دواء جهله من جهله وعلمه من علمه»
[٧١] «٢»، وقال سليمان التيمي ومقاتل بن سليمان: هذا من قول الملائكة يقول بعضهم لبعض من يرقى بروحه فيصعد بها ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، وهذه رواية أبي الجوزاء عن ابن عباس. قال أبو العالية: يختصم فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب أيّهم يترقّى بروحه.
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ فراق ليس يشبهه فراق قد انقطع الرجاء عن التلاق.
أخبرنا الربيع بن محمد الخاتمي ومحمد بن عقيل الخزاعي قالا: أخبرنا علي بن محمد بن عقبة الشيباني قال: أخبرنا الخضر بن أبان القرشي قال: حدّثنا ابن ميثم بن هدية عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (عليه السلام) :«إنّ العبد ليعالج كرب الموت وسكراته وإنّ مفاصله يسلّم بعضها على بعض يقول عليك السلام تفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة» [٧٢] «٣».
[سورة القيامة (٧٥) : الآيات ٢٩ الى ٤٠]
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣)
أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨)
فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠)
(٢) مسند أحمد: ١/ ٤٤٦.
(٣) كنز العمال: ١٥/ ٥٦٣ ح ٤٢١٨٣.

وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ قال الربيع بن أنس: الدنيا بالآخرة، وهي رواية أبي الجوزاء وعطية عن ابن عباس، ورواية عوف ومنصور عن الحسن، وروى الوالي وبادان عن ابن عباس قال: أمر الدنيا بأمر الآخرة، فكان في آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة، وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد وقال: إسماعيل ابن أبي خالد: عمل الدنيا بعمل الآخرة، وقال الضحاك: الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه، وروى سفيان عن رجل عن الحسن عن مجاهد قالا: اجتمع فيه الحياة والموت. قتادة: الشدّة بالشدّة. بشر بن المهاجر عن الحسن قال: هما ساقاك إذا لفّتا في الكفن، وإليه ذهب سعيد بن المسيّب.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أبو محمد المزني قال: حدّثنا مطين قال: حدّثنا نصر بن علي فقال: حدّثنا خالد بن قيس عن قتادة عن الحسن قال: ماتت رجلاه ولم تحملاه وكان عليهما جوّالا، وروى شعبة عن قتادة قال: أمر أتاه إذا ضرب برجله الأخرى. أبو مالك:
يلبسهما عند الموت. عكرمة: خروج من الدنيا إلى الآخرة. أبو يحيى عن مجاهد: بلاء ببلاء.
القرطبي: الأمر بالأمر. زيد بن أسلم: ساق الكفن بساق الميت. سعيد بن جبير: تتابعت عليه الشدائد. السدي: لا يخرج من كرب إلّا جاءه أشدّ منه، والعرب لا تذكر الساق إلّا في المحن والشدائد، ومنه مثلهم السائر: (لا يرسل الساق إلّا ممسكا ساقا)، وقال أميّه بن أبي الصّلت:
وقد أرقت لهمّ بات يطرقني... والنفس ذات حزازات وطرّاق
مستجذ بالقراة حين... آرقني ليل التمام أقاسيه على ساق
أي على تعب وشدة.
وقال ابن عطاء: اجتمع عليه شدّة مفارقة الوطن من الدنيا والأهل والولد وشدّة القدوم على ربّه لا يدري بماذا يقدم عليه لذلك قال عثمان بن عفان: ما رأيت منظرا إلّا والقبر أفضع منه لأنّه آخر منازل الدنيا وأول منازل الآخرة، وقال يحيى بن معاذ: إذا دخل الميت القبر قام على شفير قبره أربعة أملاك واحد عند رأسه والثاني عند رجليه والثالث عن يمينه والرابع عن يساره، فيقول الذي عند رأسه: يا ابن آدم انفضّت الآجال وانقطعت الآمال، ويقول الذي عن يمينه: ذهبت الأموال وبقيت الأعمال، ويقول الذي عن يساره: ذهب الأشغال وبقي الوبال، ويقول الذي عند الأموال وبقيت الأعمال، ويقول الذي عن يساره: ذهب الأشغال وبقي الوبال، ويقول الذي عند رجليه: طوبى لك من كسبك إن كان كسبك من الحلال وكنت مشتغلا بخدمة ذي الجلال.
إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ المنتهى والمرجع تسوق الملائكة روحه حيث أمرهم الله سبحانه وتعالى. فَلا صَدَّقَ يعني أبا جهل وَلا صَلَّى وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى يتبختر، قال زيد بن أسلم: هي مشية بني مخزوم وأصله من المطا وهو الظهر أي يلوي مطاه تبخترا، وقيل: أصله يتمطط أي يتمدد، والمط هو المد فجعلت أحدى الطاءات يا، وقد مضت هذه المسألة وتمطى الإنسان إذا قام من منامه فتمدّد.

أخبرني الحسين قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن علي بن الحسين الهمداني قال: حدّثنا محمد بن علي بن مخلد الفرقدي قال: حدّثنا سليمان بن داود الشاذكوني قال: حدّثنا سفيان بن عتبة عن يحيى بن سعيد الأنصاري سمع شيخا قديما يقال له بجنس مولى الزبير يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم الروم وفارس سلط بعضهم على بعض» [٧٣] «١» قال سفيان: فأخبرت بهذا الحديث ابن أبي نجيح فقال هل تدرون ما المطيطاء؟ هو مثل قوله سبحانه: ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى يتبختر.
أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى هذا وعيد من الله سبحانه على وعيد أبي جهل وهي كلمة موضوعة للتهدّد والوعيد قالت الخنساء:
هممت بنفسي كل الهموم | فأولى لنفسي أولى لها «٢» |
يا أوس لو نالتك أرماحنا | كنت كمن تهوى به الهاوية «٣» |
القيتا عيناك عند القفا | أولى فأولى لك ذا واقيه |
فصالوا صولة فيمن يليهم | وصلنا صولة فيمن يلينا «٥» |
هجرت غضوب وحب من يتجنّب | وعدت عواد دون وليك تشعب «٦» |
(٢) لسان العرب: ١٥/ ٤١٢.
(٣) تاج العروس: ١/ ١٦٥، وهو لعمر بن ملقط الطائي. [.....]
(٤) سورة التوبة: ١٢٣.
(٥) تاريخ دمشق: ١٠/ ١٤٣.
(٦) لسان العرب: ١/ ٢٩٢.

كأنه يقول لأبي جهل: الويل لك يوم تموت، والويل لك يوم تبعث، والويل لك يوم تدخل النار وتخلد فيها.
وقال قتادة: ذكر لنا أن النبي (عليه السلام) لمّا نزلت هذه الآية أخذ بمجامع ثوب أبي جهل بالبطحاء وقال له: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى فقال أبو جهل: أتوعدني يا محمد والله ما تستطيع أنت ولا ربّك أن تفعلا بي شيئا وأني لأعزّ من مشى بين جبليها، فلمّا كان يوم بدر أشرف عليهم وقال: لا نعبد الله بعد اليوم «١»، فصرعه الله شرّ مصرع، وقتله أسوأ قتلة، أقعصه ابنا عفراء وأجهز عليه ابن مسعود «٢»، قال: وذكر لنا أن أبا جهل كان يقول: لو علمت أن محمدا رسول الله ما أتبعت غلاما من قريش قال: وذكر لنا أن نبي الله ﷺ كان يقول: «إنّ لكل أمّة فرعونا وأن فرعون هذه الأمة أبو جهل» [٧٤] «٣».
أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً هملا لا يؤمر ولا ينهى يقال: أسديت حاجتي أي ضيّعتها، وأبل سدى ترعى حيث شاءت بلا راع. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى قرأ الحسن وابن محيص وأبو عمرو ويعقوب وسلام بالياء وهي رواية المفضل وحفص عن عاصم واختيار أبي عبيد لأجل المنى، وقرأ الباقون بالتاء لأجل النطفة وهو اختيار أبي حاتم.
ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى خلقه فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى أَلَيْسَ ذلِكَ الذي فعل هذا بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا القطيعي قال: حدّثنا الكندي قال: حدّثنا سعيد بن بنان الصفار قال: حدّثنا شعبة قال: حدّثني يونس الطويل جليس لأبي إسحاق الهمداني عن البراء بن عازب قال: لما نزلت هذه الآية أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى قال رسول الله (عليه السلام) :«سبحانك وبلى» [٧٥] «٤».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا محمد بن إبراهيم الربيعي قال: حدّثنا إبراهيم بن عبد الله ابن أيوب المخزومي قال: حدّثنا صالح بن مالك قال: حدّثنا أبو نوفل علي بن سليمان قال:
حدّثنا أبو إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس قال: من قرأ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى «٥» إماما كان أو غيره فليقل: سبحان ربي الأعلى، ومن قرأ: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ فإذا انتهى إلى آخرها فليقل: سبحانك اللهم بلى «٦»، إماما كان أو غيره.
(٢) تفسير الطبري: ٩/ ٢٧٥.
(٣) تفسير الدر المنثور: ٦/ ٢٩٦ مورد الآية.
(٤) جامع البيان للطبري: ٢٩/ ٢٥٠.
(٥) سورة الأعلى: ١.
(٦) كذا في المخطوط وتفسير القرطبي (١٩/ ١١٧) وبهامشه عن نسخة: سبحانك اللهم وبحمدك.