آيات من القرآن الكريم

أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى
ﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

الناس في الآخرة فريقان: فريق في الجنة، وفريق في السعير، فريق وجوهه ناضرة بالنعيم جميلة بإكرام الله له، وهي إلى ربها ناظرة وفريق آخر وجوهه يومئذ كالحة منقبضة عابسة باسرة، تظن لسوء فعلها في الدنيا- بل تتحقق- أنه لا بد أن ينزل بها مصيبة فادحة مصيبة عظمى تقصم الظهر، وتبيد فقاره.
بقي شيء، وقع فيه خلاف كبير بين العلماء قديما، هو: هل نرى ربنا يوم القيامة أو لا؟ الجمهور على إثبات الرؤية مستدلا بقوله هنا: إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ وبالأحاديث عن رسول الله: وبعض الفرق تمنع الرؤية بالنظر إذ البصر يحد الله وذاته، وهو لا تدركه الأبصار، على أنه يلزم معها الانحصار في زمن وجهة، والله محال عليه ذلك، والآية هنا تؤول بأن الوجوه تنتظر من الله النعم والفضل والرضوان، على أن الخطب سهل فأمور الآخرة أمور غيبية لا نقيسها على الحاضر عندنا بل نؤمن بها، والله أعلم بها.
الإنسان عند موته وعند بدء خلقه [سورة القيامة (٧٥) : الآيات ٢٦ الى ٤٠]
كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠)
فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥)
أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠)

صفحة رقم 789

المفردات:
التَّراقِيَ: جمع ترقوه، وهي العظمة التي تمتد من ثغرة النحر إلى العاتق وهما ترقوتان يمينا وشمالا. راقٍ
: من رقى فهو راق، وهو الذي يعمل الرقية، والمراد المعالج. الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ: هذا مثل لاشتداد الحال ونهاية الشدة.
يَتَمَطَّى التمطي: التبختر والتكبر في المشي. سُدىً: هملا بلا عناية.
نُطْفَةً النطفة: الماء القليل. يُمْنى: يراق ويصب. عَلَقَةً: قطعة دم عالقة. فَخَلَقَ: قدرها بقدر محكم. فَسَوَّى: عدلها وأحكم أمرها.
المعنى:
وهذا نوع من العلاج عظيم، هو أن يلفت القرآن أنظار البشرية إلى حالهم ساعة خروج الروح، وما فيها من أهوال، ثم يتلطف معهم في الحديث فيذكرهم بالنشأة الأولى ليخلص من ذلك كله إلى إثبات البعث الذي تدور عليه السورة كلها.
كلا أيها البشر: ارتدعوا عن حب العاجلة، وتذكروا الآخرة واعملوا لها بكل قواكم، اذكروا ما ينزل بكم ساعة خروج الروح، ساعة تبلغ الروح الترقوة.
اذكروا إذا بلغت الروح التراقي، واجتمع الأهل والأصحاب وقالوا: هل من طبيب أو راق؟ الكل حوله لا يملكون شيئا إلا استدعاء الطبيب، ولكن الأقدار سهام إذا انطلقت لا ترد، وكل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه يرجع الأمر، وظن الإنسان بل وتيقن أنه الفراق لا محالة، واشتد الأمر، وعظم الخطب والتفت الساق بالساق، وانتهى الأمر إلى الواحد الباقي، إلى ربك وحده ساعتها المساق.
أما المكذب الضال فالويل له!! فإنه لا صدق بمال ولا برأى ولا بشيء أبدا، ولا صلى لله، ولكن كذب بالحق لما جاءه. وأعرض عن رسول الله حين دعاه وغرته الدنيا بزخارفها غرورا كثيرا، ثم ذهب بعد ذلك بتبختر في مشيته، غير مكترث بما فعل. أولى لك أيها المكذب فأولى: ثم أولى لك فأولى! وهذه عبارة هدد بها النبي صلّى الله عليه وسلّم أبا جهل ففهم منها الوعيد والتهديد، وقال للنبي: أتوعدني يا محمد؟ والله ما تستطيع

صفحة رقم 790

أنت ولا ربك فىّ شيئا، والله لأنا أعز من مشى بين جبليها، ثم لم يلبث أن قتل ببدر شر قتلة.
أيحسب الإنسان المغرور أنه يترك هملا، بلا شرع ولا حكم، وبلا حساب ولا عقاب؟
ألم يك نطفة من ماء يصب في الرحم. ثم صار علقة فمضغة ثم صوره فأحسن تصويره. وسواه فأكمل خلقه. فكان منه الذكر والأنثى لبقاء النوع الإنسانى.
أليس الذي فعل هذا مع الإنسان بقادر أن يحيى الموت ويبعثهم يوم القيامة؟! فكروا واتعظوا أيها الناس، واعلموا أن الذي رعاكم ورباكم في النشأة الأولى لا يعقل أن يترككم سدى، ويخلقكم هملا لا يجازى المحسن، ولا يعاقب المسيء.

صفحة رقم 791
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية