
وقال المبرد هي: لغة يمانية (١).
والمعنى على هذا القول: أنه وإن أُسبل الستر لتخفى ما يعمل فإن نفسه شاهد عليه.
١٦ - قوله: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦)﴾.
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعالج من التنزيل شدة (٢)، وكان يشتد عليه حفظه، وكان إذا نزل عليه الوحي يحرك لسانه وشفتيه قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي، مخافة ألا يحفظه (٣)، فأنزل الله: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ﴾ يعني بالقراءة (٤).
(٢) قوله: التنزيل شدة: بياض في (ع).
(٣) في (ع): يحفظ.
(٤) أخرج هذا الأثر البخاري في "الجامع الصحيح" ٣/ ٣١٨: ح: ٤٩٢٧، ٤٩٢٨، ٤٩٢٩ بمعناه كتاب: التفسير: باب (٧٥) سورة القيامة، ومسلم في "صحيحه" ١/ ٣٣٠: ح: ١٤٧، ١٤٨: كتاب: الصلاة باب: الاستماع للقراءة، وأبو داود الطيالسي في "مسنده" ١٠/ ٣٤٢: ح ٢٦٢٨، والإمام أحمد في "المسند" ١/ ٣٤٣، والترمذي في "سننه" ٥/ ٤٣٠: ح ٣٣٢٩: كتاب: تفسير القرآن باب ٧٢١ ومن سورة القيامة. وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في "سننه" ٢/ ٤٨٧: ح ٩٣٤: كتاب الافتتاح باب ٣٧ جامع ما جاء في القرآن، والطبراني في "المعجم الكبير" ١١/ ٤٥٨: ح: ١٢٢٩٧، كما ورد في الأثر عن ابن عباس في "جامع البيان" ٢٩/ ١٨٧ بمعناه، و"النكت والعيون" ٦/ ١٥٥، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٢٣، و"زاد المسير" ٨/ ١٣٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٠٤، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٩، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٤٨ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف، والطبراني وابن مردويه، وأبي نعيم، و"لباب القول" للسيوطي ٢٢٥، وانظر: "دلائل النبوة" للبيهقي ٧/ ٥٦.

﴿لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ أي بالقرآن، كما قال: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ [طه: ١١٤]. والمعنى لتعجل بأخذه. ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ﴾، أي نجمعه في صدرك، وقراءته (١) عليك؛ (قاله الكلبي) (٢) (٣).
وقال عطاء: (أي) (٤) إن جبريل يستعيده عليك (٥).
وقال مقاتل (وقرآنه): يعني: ونقرئكه حتى تحفظه (٦).
قال الزجاج: إن علينا أن نقرئكه فلا تنسى (٧). كما قال: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦)﴾ [الأعلى: ٦]. وعلى هذا معنى قوله: (قرآنه) أي وقراءتك إياه بأن نقرئكه، والقارئ هو النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى القول الأول: القارئ هو جبريل. وهذا الذي ذكرنا في قوله: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ﴾ هو قول مقاتل (٨)، (ومجاهد (٩)، وقتادة (١٠)، وعطاء (١١)) (١٢)، والجميع (١٣).
(٢) قراءته: كررت في نسخة: (ع).
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد مثله في "الوسيط" غير منسوب ٤/ ٣٩٢.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) ساقطة من (أ).
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) "تفسير مقاتل" ٢١٨/ أ.
(٨) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٥٣ برواية: (نقريك) بدلًا من: (نقريكه).
(٩) "تفسير مقاتل" ٢١٨/ أ.
(١٠) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(١٣) قال بذلك أيضًا سيد بن جبير، والشعبى، وابن زيد، والضحاك. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٨٧ - ١٨٨. وبه قال الفراء، والزجاج، وعزاه ابن عطية إلى كثير من =

قال قتادة في قوله: (جمعه وقرآنه) حفظه (١)، وعلى هذا معنى القرآن: الجمع؛ من قولهم: ما قرأت الناقة سلا (٢) قط، أي: ما جمعت.
(وقد ذكرنا ذلك عند تفسير القُرء (٣)) (٤).
قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ﴾. قال ابن عباس: فإذا قرأه جبريل (٥) ومقاتل: فإذا تلوناه عليك بجبريل (٦). ﴿فَاتَّبِعْ (٧) قُرْآنَهُ﴾. قال: يعني: فاتبع
وقال آخرون -وهو قول الشعبي- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحرصه على أداء الرسالة والاجتهاد في ذات الله تعالى، ربما أراد النطق ببعض ما أوحى إليه قبل كمال إيراد الوحي، فأمر ألا يعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليه وحيه. انظر: "المحرر" ٥/ ٤٠٤.
(١) غير مقروءة في نسخة: (ع).
(٢) السلا: الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد، يكون ذلك في الدواب والإبل وفي الناس: المشيمة، والمعنى ما حملت ملقوحًا. "النهاية في غريب الحديث والأثر" ٢/ ٣٩٦.
(٣) [البقرة: ٢٢٨] وما جاء في معنى (القروء) جمع قرء، وجمعه القليل أقرؤ، وأقراء، والكثير: قروء، وهذا الحرف من الأضداد؛ لأن أصل القرء اسم للوقت، والقروء الأوقات، واحدها قرء. وقال قوم: أصل القرء: الجمع، يقال: ما قرأت الناقة سلا قط، أي ما جمعت في رحمها ولدًا قط.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) "الوسيط" ٤/ ٣٩٣.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢١٨/ أ.
(٧) بياض في (ع).

ما فيه كما نقرئكه (١). ونحو هذا قال قتادة: يقول: فاتبع حلاله وحرامه (٢). وأجود من هذا أن يكون المعنى: فاتبع قرآنه، أي: اقرأه إذا فرغ جبريل من قراءته. وهذا أولى؛ لأنه أمر أن يدع القراءة (٣)، ويستمع من جبريل، حتى إذا فرغ جبريل قرأه، وليس هذا موضع الأمر باتباع ما فيه من الحلال والحرام.
وهذا معنى قول ابن عباس في رواية سعيد بن جبير قال: يقول: إنا أنزلناه فاتبع له، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا نزل عليه جبريل بعد هذا أطرق، فإذا ذهب فرأه كما وعده الله (٤). وقال (٥) أيضًا: فاتبع قرآنه، واستمع له، وأنصت، قال: فإذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه (٦). وعلى هذا أتبع قراءة (٧) جبريل بالاتباع (٨). وعلى القول الأول: أتبع قراءته بقراءتك.
وذكر أبو علي في "المسائل الحلبية" هذه الآية فقال: (قوله تعالى:
(٢) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٣٤، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٩٠، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٠٥، و"زاد المسير" ٨/ ١٣٧، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٤٨ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٣) بياض في (ع).
(٤) الأثر أخرجه البخاري ٣/ ٣١٨: ح: ٤٩٢٩ كتاب: التفسير باب ٧٥ سورة القيامة، ومسلم ١/ ٣٣٠: ح: ١٤٧ - ١٤٨: "كتاب الصلاة" باب الاستماع للقراءة، كما أخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده" ١٠/ ٣٤٢: ح ٢٦٢٨، والنسائي في "سننه" ٢/ ٤٨٧: ح: ٩٣٤: كتاب: الافتتاح باب: ٣٧ جامع ما جاء في القرآن.
(٥) أي ابن عباس.
(٦) سبق تخريجه.
(٧) في (أ): قرة.
(٨) قوله: جبريل بالاتباع: بياض في (ع).

﴿لَا تُحَرك بِهِ لِسَانَكَ﴾، إنا سنحفظه عليك. وهذا في المعنى مثل قوله: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ [طه: ١١٤]، وليس المراد بقوله: ﴿جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ القرآن الذي هو اسم التنزيل، وإنما أضمر [في قوله: ﴿لَا تُحَرِك بِهِ لِسَانَكَ﴾، وإن لم يجر له ذكر لدلالة الحال عليه، كما أضمر] (١) في قوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)﴾ [القدر: ١]، وإن كان أول سورة، ولم يجر له ذكر، وإذا كان الذكر المضاف إليه المصدر في قوله: (وقرآنه) راجعًا إلى التنزيل ثبت أن المصدر ليس عبارة عنه؛ لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه، ألا ترى أنك لا تقول: رجلُ زيدٍ، وأنت تعني بـ: (رجل) زيدًا (٢) نفسه، وإنما أضيف المصدر إلى المفعول هاهنا: المعنى: جمعنا إياه، وقراءتنا إياه. وكذلك التقدير في قوله: ﴿فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾، ومجاز الآية على قول أبي عبيدة: جمعه وتأليف بعضه إلى بعض (٣)، من قوله: (ما قرأت هذه الناقة سلا قط، أي (٤) إني لم تضم، ولم تجمع. وبيت عمرو بن كلثوم:
لم تَقْرَأ جَنِينا (٥)
(٢) في كلا النسختين: زيد.
(٣) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٨، وذكر بيت عمرو بن كلثوم.
(٤) في (أ): أن.
(٥) البيت كاملاً:
ذِراعَيْ عَيْطَلٍ أدْماءَ بِكْرٍ | هِجانِ اللَّوْنِ لم تَقْرأْ جَنِينا |