آيات من القرآن الكريم

لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
ﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂ ﰄﰅﰆﰇ ﰉﰊﰋﰌ

* ذكر من قال ذلك:
حدثنا نصر بن عليّ، قال: ثني أبي، عن خالد بن قيس، عن قتادة، عن الحسن: (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) لم تُقبل معاذيره.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) قال: ولو اعتذر.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معناه: ولو اعتذر لأن ذلك أشبه المعاني بظاهر التنزيل، وذلك أن الله جلّ ثناؤه أخبر عن الإنسان أن عليه شاهدًا من نفسه بقوله: (بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) فكان الذي هو أولى أن يتبع ذلك، ولو جادل عنها بالباطل، واعتذر بغير الحقّ، فشهادة نفسه عليه به أحقّ وأولى من اعتذاره بالباطل.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩) ﴾.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تحرّك يا محمد بالقرآن لسانك لتعجل به.
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل له: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) فقال بعضهم: قيل له ذلك، لأنه كان إذا نزل عليه منه شيء عجل به، يريد حفظه من حبه إياه، فقيل له: لا تعجل به فإنَّا سَنحفظُه عليك.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن حُبير، عن ابن عباس، أن النبيّ ﷺ كان إذا نزل عليه القرآن تعجَّل يريد حفظه، فقال الله تعالى ذكره: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) وقال ابن عباس: هكذا وحرّك شفتيه.
حدثني عبيد بن إسماعيل الهبَّاريّ ويونس قالا ثنا سفيان، عن عمرو، عن سعيد بن جُبير، أن النبيّ ﷺ كان إذا نزل عليه القرآن تعجَّل به يريد حفظه؛

صفحة رقم 65

وقال يونس: يحرِّك شفتيه ليحفظه، فأنزل الله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ).
حدثني عبيد بن إسماعيل الهبَّاريّ، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي عائشة، سمع سعيد بن جُبير، عن ابن عباس مثله، وقال (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ) قال: هكذا، وحرَّك سفيان فاه.
حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا جرير، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، في قوله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال: كان النبيّ ﷺ إذا نزل عليه جبريل بالوحي، كان يحرّك به لسانه وشفتيه، فيشتدّ عليه، فكان يعرف ذلك فيه، فأنزل الله هذه الآية في "لا أقسم بيوم القيامة" (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ).
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: كان النبيّ ﷺ إذا نزل عليه القرآن، حرّك شفتيه، فيعرف بذلك، فحاكاه سعيد، فقال: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال: لتعجل بأخذه.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، قال: سمعت سعيد بن جُبير يقول: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ). قال: كان جبريل عليه السلام ينزل بالقرآن، فيحرِّك به لسانه، يستعجل به، فقال: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ).
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ربعي بن علية، قال: ثنا داود بن أبى هند، عن الشعبيّ في هذه الآية: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال: كان إذا نزل عليه الوحي عَجِل يتكلم به من حبه إياه، فنزل: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ).
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال: لا تكلم بالذي أوحينا إليك حتى يقضى إليك وحيه، فإذا قضينا إليك وحيه، فتكلم به.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت

صفحة رقم 66

الضحاك يقول في قوله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ) قال: كان نبيّ الله ﷺ إذا نزل عليه الوحي من القرآن حرّك به لسانه مخافة أن ينساه.
وقال آخرون: بل السبب الذي من أجله قيل له ذلك، أنه كان يُكثر تلاوة القرآن مخافة نسيانه، فقيل له: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) إن علينا أن نجمعه لك، ونقرئكه فلا تنسى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال: كان لا يفتر من القرآن مخافة أن ينساه، فقال الله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) إن علينا أن نجمعه لك، (وقرآنه) : أن نقرئك فلا تنسى.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ) قال: كان يستذكر القرآن مخافة النسيان، فقال له: كفيناكه يا محمد.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَيَّه، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال: كان رسول الله ﷺ يحرّك به لسانه ليستذكره، فقال الله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) إنا سنحفظه عليك.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) كان نبيّ الله ﷺ يحرّك به لسانه مخافة النسيان، فأنزل الله ما تسمع.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ) قال: كان رسول الله ﷺ يقرأ القرآن فيكثر مخافة أن ينسى.
وأشبه القولين بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، القول الذي ذُكر عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، وذلك أن قوله: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) ينبئ أنه إنما نهى عن تحريك اللسان به متعجلا فيه قبل جمعه، ومعلوم أن دراسته للتذكر إنما كانت تكون من النبيّ ﷺ من بعد جمع الله له ما يدرس من ذلك.

صفحة رقم 67

وقوله: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) يقول تعالى ذكره: إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا محمد حتى نثبته فيه (وُقرآنَهُ) يقول: وقرآنه حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ) قال: في صدرك (وَقُرآنَهُ) قال: تقرؤه بعد.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) أن نجمعه لك، (وَقُرآنَهُ) : أن نُقرئك فلا تنسى.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) يقول: إن علينا أن نجمعه لك حتى نثبته في قلبك.
وكان آخرون يتأوّلون قوله: (وَقُرآنَهُ) وتأليفه. وكان معنى الكلام عندهم: إن علينا جمعه في قلبك حتى تحفظه، وتأليفه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) يقول حفظه وتأليفه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) قال: حفظه وتأليفه. وكان قتادة وجَّه معنى القرآن إلى أنه مصدر من قول القائل: قد قَرَأَتْ هذه الناقةُ في بطنها جَنينا، إذا ضمت رحمها على ولد، كما قال عمرو بن كلثوم:

ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أدْمَاءَ بِكْرٍ هِجانِ اللَّوْنِ لمْ تَقرأ جَنِينا (١)
(١) هذا المقدم في العلم بلغة العرب، هو أبو عبيدة معمر بن المثنى، في كتابه مجاز القرآن: ١٦. وقد وقع بين ماضغى أسد! وهذا الذي يأتي كله تقريع مرير من أبي جعفر لأبي عبيدة.

صفحة رقم 68

يعني بقوله: (لَمْ تَقرأ) لم تضمّ رحما على ولد. وأما ابن عباس والضحاك فإنما وجها ذلك إلى أنه مصدر من قول القائل: قرأت أقرأ قرآنا وقراءة.
وقوله: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) اختلف أهل التأويل في تأويله. فقال بعضهم: تأويله: فإذا أنزلناه إليك فاستمع قرآنه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور وابن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ) : فإذا أنزلناه إليك (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) قال: فاستمع قرآنه.
حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا جرير، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) : فإذا أنزلناه إليك فاستمع له.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا تُلي عليك فاتبع ما فيه من الشرائع والأحكام.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) يقول: إذا تلي عليك فاتبع ما فيه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) يقول: اتبع حلالَه، واجتنب حرامه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) يقول: فاتبع حلاله، واجتنب حرامه.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) يقول: اتبع ما فيه.
وقال آخرون: بل معناه: فإذا بيَّناه فاعمل به.

صفحة رقم 69

* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) يقول: اعمل به.
وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال: فإذا تُلي عليك فاعمل به من الأمر والنهي، واتبع ما أُمرت به فيه، لأنه قيل له: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ) في صدرك (وقُرآنَهُ) ودللنا على أن معنى قوله: (وقُرآنَهُ) : وقراءته، فقد بين ذلك عن معنى قوله: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) يقول تعالى ذكره: ثم إن علينا بيان ما فيه من حلاله وحرامه، وأحكامه لك مفصلة.
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: نحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) يقول: حلاله وحرامه، فذلك بيانه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) بيان حلاله، واجتناب حرامه، ومعصيته وطاعته.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم إن علينا تبيانه بلسانك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) قال: تبيانه بلسانك.

صفحة رقم 70
جامع البيان في تأويل آي القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري
تحقيق
أحمد شاكر
الناشر
مؤسسة الرسالة
الطبعة
الأولى، 1420 ه - 2000 م
عدد الأجزاء
24
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية