آيات من القرآن الكريم

لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
ﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂ ﰄﰅﰆﰇ ﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔ ﭖﭗ ﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩ

فتشهد عليه جوارحه، ويقال له: كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء ١٧/ ١٤].
الخامسة- الآية في الحر المالك لأمر نفسه. أما العبد: فإن أقر بموجب عقوبة من القتل فما دونه، نفذ عليه. وقال محمد بن الحسن: لا يقبل ذلك منه لأن بدنه مستغرق لحق السيد، وفي إقراره إتلاف حقوق السيد في بدنه، ودليل الرأي الأول
قوله صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن عبادة بن الصامت: «من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله، فإن من يبد لنا صفحته، نقم عليه الحدّ».
السادسة- قيل: إن معنى قوله تعالى: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
أي عليه من يبصر أعماله، ويحصيها، وهم الكرام الكاتبون. والراجح ما ذكر من المعنى المتقدم.
حرص النبي صلّى الله عليه وسلّم على حفظ القرآن وحال الناس في الآخرة
[سورة القيامة (٧٥) : الآيات ١٦ الى ٢٥]
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠)
وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥)
الإعراب:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ، إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ قال ابن الأنباري رحمه الله تعالى: في هذه الآية دليل على إثبات الرؤية لأن النظر إذا قرن بالوجه، وعدّي بحرف الجر، دل على أنه بمعنى النظر بالبصر، فيقال: نظرت الرجل: إذا انتظرته، ونظرت إليه: إذا أبصرته.
وكلمة وُجُوهٌ مبتدأ، وابتدأ بالنكرة لأنها تخصصت بقوله يَوْمَئِذٍ وناضِرَةٌ خبر وُجُوهٌ.

صفحة رقم 261

البلاغة:
بَنانَهُ بَيانَهُ جناس ناقص لاختلاف بعض الحروف.
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ.. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ.. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ.. مقابلة بين نضارة وجوه المؤمنين، وكلاحة وجوه المجرمين.
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مجاز مرسل في رأي الزمخشري، من إطلاق الجزء وإرادة الكل، فقال:
الوجه عبارة عن الجملة، قال البيضاوي: وتفسيره بالجملة خلاف الظاهر، وإن المستعمل بمعناه لا يعدّى بإلى لذا قال النيسابوري في غرائب القرآن: ٢٨/ ١١٠: الأولى أن يراد بالوجوه: العيون، فيكون من إطلاق الكل على الجزء، لا عكسه.
المفردات اللغوية:
لا تُحَرِّكْ بِهِ
لا تحرك يا محمد بالقرآن لسانك قبل فراغ جبريل منه، أي قبل أن يتم وحيه. لِتَعْجَلَ بِهِ
لتأخذه على عجل، مخافة أن يتفلت أو يضيع منك. إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ
في صدرك. وَقُرْآنَهُ
وإثبات قراءته في لسانك. فَإِذا قَرَأْناهُ
بلسان جبريل عليك.
فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
استمع قراءته، فكان صلّى الله عليه وسلّم يستمع ثم يقرؤه، ويكرر قراءته حتى يرسخ في ذهنه.
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ تفسير ما أشكل فيه من المعاني، وبيان ما فيه من الحلال والحرام. وهو دليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب.
كَلَّا ردع للإنسان عن الاغترار بالدنيا العاجلة. الْعاجِلَةَ دار الدنيا وما فيها.
وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ تتركون العمل والاستعداد لها، وهو إشعار بأن بني آدم مطبوعون على الاستعجال. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ يوم القيامة. ناضِرَةٌ حسنة مضيئة، متهللة بشرا بما تراه من النعيم. ناظِرَةٌ رائية عيانا تنظر إلى ربها بلا حجاب. وقال مجاهد: تنتظر الثواب من ربها. باسِرَةٌ شديدة العبوس، كالحة متغيرة مسودّة. تَظُنُّ توقن وتتوقع. فاقِرَةٌ داهية عظيمة تكسر فقار الظهر.
سبب النزول: نزول الآية (١٦) :
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ..
أخرج البخاري ومسلم وأحمد عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أنزل الوحي، يحرّك به لسانه، يريد أن يحفظه، فأنزل الله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
الآية.

صفحة رقم 262

المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى أن منكر القيامة والبعث معرض عن آيات الله تعالى ومعجزاته، وأنه قاصر شهواته على الفجور، غير مكترث بما يصدر منه، ذكر حال من يثابر على تعلّم آيات الله وحفظها وتلقفها والنظر فيها وعرضها على من ينكرها، رجاء قبوله إياها، ليظهر بذلك تباين حال من يرغب في تحصيل آيات الله، ومن يرغب عنها، فتلك الآيات تضمنت حال الإعراض عن آيات الله، وهذه تضمنت المبادرة إليها بحفظها، وبضدها تتميز الأشياء «١».
ثم ذكر تعالى سبب إنكار البعث وهو حب الإنسان الدنيا العاجلة، وترك الآخرة، ووبخ أهله، ثم أوضح تعالى انقسام الناس في الآخرة إلى فريقين:
فريق المؤمنين المستمتعين بالنعيم وبرؤية الله عز وجل، وفريق المشركين الذين يترقبون نزول الدواهي العظام من العذاب بهم.
التفسير والبيان:
علّم الله عز وجل رسوله صلّى الله عليه وسلّم كيفية تلقي الوحي من الملك جبريل، فقال: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حرصا منه على القرآن الموحى به إليه، يبادر إلى أخذه، ويسابق الملك في قراءته، ويحرك شفتيه ولسانه بالقرآن إذا أنزل عليه، قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي، حرصا على أن يحفظه صلّى الله عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية.
أي لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي، لتأخذه على عجل، مخافة أن يتفلت منك كما قال تعالى: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ، وَقُلْ: رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه ٢٠/ ١١٤].

(١) البحر المحيط: ٨/ ٣٨٨

صفحة رقم 263

إن علينا جمعه في صدرك حتى لا يذهب عليك منه شيء، وعلينا إثبات قراءته في لسانك على الوجه القويم.
فإذا أتممنا قراءته عليك بلسان جبريل، فاستمع له وأنصت، ثم اقرأه كما أقرأك، وكرره حتى يرسخ في ذهنك.
ثم إننا بعد حفظه وتلاوته نفسر لك ما فيه من الحلال والحرام، ونبين ونوضح لك ما أشكل منه، ونلهمك معناه كما أردنا وشرعنا.
وهكذا اشتملت الآيات الأربع على أحوال ثلاث: هي جمعه في صدره، وحفظه، في الآية الأولى والثانية، وتلاوته وتيسير أدائه كما أنزل، في الآية الثالثة، وتفسيره وبيانه وإيضاح معناه في الآية الرابعة.
ثم انتقل البيان إلى حال الإنسان السابق المنكر البعث، فوبخه وقرعه على إنكاره البعث، فقال تعالى مبينا سبب الإنكار:
كَلَّا، بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ، وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ أي أردعكم عما تقولون أيها المشركون من إنكار البعث، فإنه يحملكم على التكذيب بيوم القيامة، ومخالفة ما أنزله الله عز وجل على رسوله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الحق والقرآن العظيم، محبتكم واهتمامكم بدار الدنيا العاجلة، وتشاغلكم عن الآخرة وترككم العمل لها. ولفظ كَلَّا عند سائر المفسرين: معناه حقا، أي حقا تحبون العاجلة وتذرون الآخرة، والمعنى أنهم يحبون الدنيا ويعملون لها، ويتركون الآخرة ويعرضون عنها.
وقال الزمخشري: كلا: ردع لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن عادة العجلة، وإنكار لها عليه، وحث على الأناة والتؤدة، وقد بالغ في ذلك بإتباعه قوله: بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ كأنه قال: بل أنتم يا بني آدم لأنكم خلقتم من عجل، وطبعتم عليه،

صفحة رقم 264

تعجلون في كل شيء، ومن ثم تحبون العاجلة، وتذرون الآخرة «١».
ثم أبان الله تعالى حال المؤمنين وحال الكافرين في الآخرة، فقال:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ، وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ أي وجوه المؤمنين في الجنة حسنة بهية مشرقة مسرورة، ترى ربها عيانا، ووجوه الفجار في النار عابسة كالحة كئيبة، توقن أن سينزل بها داهية عظيمة تكسر فقار الظهر. قال الأزهري عن مجاهد الذي فسر النظر بالانتظار:
قد أخطأ مجاهد لأنه لا يقال: نظر إلى كذا بمعنى انتظر، فإن قول القائل:
نظرت إلى فلان، ليس إلا رؤية عين، فإذا أرادوا الانتظار، قالوا: نظرته، وأشعار العرب وكلماتهم في هذا كثيرة جدا.
قال الزمخشري في قوله تعالى: إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ: تنظر إلى ربها خاصة، لا تنظر إلى غيره، وهذا معنى تقديم المفعول، فإنه يدل على معنى الاختصاص، ثم رجح أن الآية تفيد معنى التوقع والرجاء «٢».
وهذا منه بسبب كونه من المعتزلة الذين يقولون: لا يدل ظاهر الآية على رؤية الله تعالى لأن النظر المقرون بحرف (إلى) ليس اسما للرؤية، بل لمقدمة الرؤية، وهي تقليب الحدقة نحو المرئي، التماسا لرؤيته، فيكون نظر العين مقدمة للرؤية، وتأولوا قوله تعالى: ناظِرَةٌ بمعنى أن أولئك الأقوام ينتظرون ثواب الله.
وأجاب الرازي بأننا نسلم أن النظر عبارة عن تقليب الحدقة.. إلخ لكنا نقول: لما تعذر حمله على حقيقته، وجب حمله على مسببه وهو الرؤية، إطلاقا لاسم السبب على المسبب، وحمله على الرؤية أولى من حمله على الانتظار لأن

(١) الكشاف: ٣/ ٢٩٣- ٢٩٤
(٢) المرجع السابق: ص ٢٩٤

صفحة رقم 265

تقليب الحدقة كالسبب للرؤية، ولا تعلق بينه وبين الانتظار، فكان حمله على الرؤية أولى من حمله على الانتظار.
ثم أجاب عن قولهم: النظر جاء بمعنى الانتظار بأن هذا كثير في القرآن، ولكنه لم يقرن البتة بحرف (إلى) كقوله تعالى: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد ٥٧/ ١٣] وقوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ [الأعراف ٧/ ٥٣] وقوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ [البقرة ٢/ ٢١٠]. وإذا فرضنا أن النظر المعدّى بحرف (إلى) جاء في اللغة بمعنى الانتظار، لكن لا يمكن حمل هذه الآية عليه لأن لذة الانتظار مع يقين الوقوع، كانت حاصلة في الدنيا، فلا بد وأن يحصل في الآخرة شيء أزيد منه، حتى يحسن ذكره، في معرض الترغيب في الآخرة «١». وقال النيسابوري: وحاصل كلامهم أن النظر إن كان بمعنى الرؤية فهو المطلوب، وإن كان بمعنى تقليب الحدقة نحو المرئي، فهذا في حقه تعالى محال لأنه منزه عن الجهة والمكان، فوجب حمله على مسببه وهو الرؤية، وهذا مجاز مشهور «٢».
وأيدت الأحاديث المتواترة ما فهمه الجمهور من دلالة الآية على رؤية الله تعالى، فقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث، لا يمكن دفعها ولا منعها كما قال ابن كثير، ثم أورد الأحاديث وقال: وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة، كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام، وهداة الأنام «٣».
وكذلك قال الشوكاني في تفسيره العظيم (فتح القدير) بعد أن فسر آية إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ بقوله: أي إلى خالقها، ومالك أمرها، ناظرة، أي تنظر

(١) التفسير الكبير للرازي: ٣٠/ ٢٢٦- ٢٢٩
(٢) غرائب القرآن: ٢٨/ ١١١
(٣) تفسير ابن كثير: ٤/ ٤٥٠

صفحة رقم 266

إليه: هكذا تواترت الأحاديث الصحيحة من أن العباد ينظرون ربهم يوم القيامة، كما ينظرون إلى القمر ليلة البدر.
روى البخاري في صحيحة: «إنكم سترون ربكم عيانا»
وأخرج الشيخان في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة: «أن ناسا قالوا:
يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارّون في رؤية الشمس والقمر، ليس دونهما سحاب؟ قالوا: لا، قال: إنكم ترون ربكم كذلك»
.
وفي الصحيحين أيضا عن جرير قال: نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى القمر ليلة البدر، فقال: «إنكم ترون ربكم، كما ترون هذا القمر، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ولا قبل غروبها، فافعلوا».
وفي الصحيحين أيضا عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «جنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة، آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى الله عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه، في جنة عدن».
وأخرج مسلم عن صهيب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة قال: يقول الله تعالى: تريدون شيئا أزيدكم فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا! ألم تدخلنا الجنة، وتنجّنا من النار! قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحبّ إليهم من النظر إلى ربّهم، وهي الزيادة» ثم تلا هذه الآية: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ الآية [يونس ١٠/ ٢٦].
وقال الألوسي: والذي يقطع الشغب ويدق في فروة من أخس الطلب:
ما أخرجه الإمام أحمد والترمذي والدارقطني وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وغيرهم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى

صفحة رقم 267

وجهه غدوة وعشية» ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ
فهو تفسير منه عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أنه أعلم الأولين والآخرين، لا سيما بما أنزل عليه من كلام رب العالمين «١».
ونظير الآية قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ، ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ، وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ، تَرْهَقُها قَتَرَةٌ، أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس ٨٠/ ٣٨- ٤٢].
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- تكفل الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أمور لحفظ القرآن إلى الأبد: وهي جمعه في صدره عليه الصلاة والسلام، وتلاوته، وتفسيره لبيان ما فيه من الحدود والحلال والحرام، والوعد والوعيد، والمشكلات.
٢- إن التعجل مذموم مطلقا، ولو في أمور الدين.
٣- إن سبب إنكار المشركين البعث والحساب والجزاء هو إيثار الدار الدنيا والحياة العاجلة فيها، وترك الاستعداد للآخرة والعمل لها، فعلى المؤمن أن يفر من غير الله إلى الله، ولا يستعين في كل أموره إلا به، على نقيض الكافر الذي كان يفر من الله إلى غيره حين قال: (أين المفر؟).
٤- ثبوت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الآخرة، وحرمان الفجار منها، كان ابن عمر يقول: أكرم أهل الجنة على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية، ثم تلا هذه الآية: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ، إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ. وقد تقدم في

(١) تفسير الألوسي: ٢٩/ ١٤٤

صفحة رقم 268
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية