آيات من القرآن الكريم

لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
ﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂ ﰄﰅﰆﰇ ﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔ ﭖﭗ ﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩ

قوله عزّ وجلّ: وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ إنما قال: «جمع» لتذكير القمر، هذا قول أبي عبيدة. وقال الفراء: إنما لم يقل: جُمِعَتْ، لأن المعنى: جمع بينهما وفي معنى الآية قولان:
أحدهما: جمع بين ذاتَيْهما. وقال ابن مسعود: جمعا كالبعيرين القرينين. وقال عطاء بن يسار:
يُجْمَعَان ثم يُقْذَفَان في البحر. وقيل: يُقْذَفَان في النار. وقيل: يجمعان، فيطلعان من المغرب. والثاني:
جمع بينهما في ذهاب نورهما، قاله الفراء، والزجاج.
قوله عزّ وجلّ: يَقُولُ الْإِنْسانُ يعني: المكذِّب بيوم القيامة أَيْنَ الْمَفَرُّ قرأ الجمهور بفتح الميم، والفاء، وقرأ ابن عباس، ومعاوية، وأبو رزين وأبو عبد الرحمن، والحسن، وعكرمة، والضّحّاك والزّهريّ، وابن يعمر، وابن أبي عبلة: بكسر الفاء. قال الزجاج: فمن فتح، فالمعنى: أين الفرار؟ ومن كسر، فالمعنى: أين مكان الفرار؟ تقول: جلست مجلَساً بالفتح، يعني: جلوساً. فإذا قلت: مجلسا بالكسر. فأنت تريد المكان.
قوله عزّ وجلّ: كَلَّا لا وَزَرَ قال ابن قتيبة: لا ملجأ. وأصل الوزر: الجبل الذي يمتنع فيه إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ
أي: المنتهى والمرجع. يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
فيه ستة أقوال: أحدها: بما قدَّم قبل موته، وما سنَّ من شيء فعُمِل به بعد موته، قاله ابن مسعود، وابن عباس. والثاني: يُنَبَّأُ بأوَّل عمله وآخره. قاله مجاهد. والثالث: بما قدَّم من الشَّرِّ، وأخَّر من الخير. قاله عكرمة. والرابع: بما قدَّم من فرض، وأخَّر من فرض، قاله الضحاك. والخامس: بما قدَّم من المعصية، وأخّر من الطاعة.
والسادس: بما قدَّم من أمواله، وما خلَّف للورثة قاله زيد بن أسلم. قوله عزّ وجلّ: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
قال الفراء: المعنى: بل على الإنسان من نفسه بصيرة، أي رقباء يشهدون عليه بعمله، وهي:
الجوارح. قال ابن قتيبة: فلما كانت جوارحه منه، أقامها مقامه. وقال أبو عبيدة: جاءت الهاء في «بصيرة» في صفة الذّكر، كما كانت في: رجل راوية، وطاغية، وعلّامة.
قوله عزّ وجلّ: وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ.
وفي المعاذير قولان: أحدهما: أنه جمع عذر، فالمعنى: لو اعتذر، وجادل عن نفسه، فعليه من يكذَّب عذره، وهي: الجوارح، وهذا قول الأكثرين. والثاني: أن المعاذير جمع معذار، وهو: الستر.
والمعاذير: الستور. فالمعنى: ولو أرخى ستوره، هذا قول الضحاك، والسدي، والزجاج. فيخرج في معنى «ألقى» قولان: أحدهما: قال، ومنه: فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ «١»، وهذا على القول الأول.
والثاني: أرخى، وهذا على القول الثاني.
[سورة القيامة (٧٥) : الآيات ١٦ الى ٢٥]
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠)
وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥)
قوله عزّ وجلّ: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ

(١) النحل: ٣٦.

صفحة رقم 370

(١٥٠٥) روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، وكان يشتد عليه حِفظه، وكان إذا نزل عليه الوحي يُحرِّك لسانه وشفتيه قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي، مخافة أن لا يحفَظه، فأنزل الله تعالى هذه الآية. معناها: لا تحرك بالقرآن لسانك لتعجل بأخذه إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
قال ابن قتيبة: أي: ضمَّه وجمعه في صدرك فَإِذا قَرَأْناهُ
أي: جمعناه فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
أي:
جمعه. قال المفسرون: يعني: اقرأه إذا فرغ جبريل من قراءته «١». قال ابن عباس: فاتِّبع قرآنه، أي:
اعمل به. وقال قتادة: فاتبع حلاله وحرامه ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ فيه أربعة أقوال: أحدها: نبيِّنه بلسانك، فتقرؤه كما أقرأك جبريل. وكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب، قرأه كما وعده الله، قاله ابن عباس.
والثاني: إِن علينا أن نجزيَ به يوم القيامة بما فيه من وعد ووعيد، قاله الحسن. والثالث: إِن علينا بيانه:
ما فيه من الأحكام، والحلال، والحرام، قاله قتادة. والرابع: علينا أن ننزِّله قرآناً عربياً، فيه بيان للناس، قاله الزّجّاج.
قوله عزّ وجلّ: كَلَّا قال عطاء: أي: لا يؤمن أبو جهل بالقرآن وبيانه، وقال ابن جرير:
والمعنى: ليس الأمر كما تقولون من أنكم لا تُبْعَثُون، ولكن دعاكم إلى قِيلِ ذلك مَحَبَّتُكم للعاجلة.
قوله عزّ وجلّ: بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو «بل يحبون العاجلة ويذرون» بالياء فيهما. وقرأ الباقون بالتاء فيهما. والمراد: كفار مكة، يحبونها ويعملون لها «ويذرون الآخرة» أي:
يتركون العمل إيثارا للدنيا عليها.
قوله عزّ وجلّ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ أي: مشرقة بالنّعم إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ روى عطاء عن ابن عباس قال: إلى الله ناظرة. قال الحسن: حق لها أن تَنْضَر وهي تنظر إلى الخالق، وهذا مذهب عكرمة. ورؤية الله عزّ وجلّ حقّ لا شكّ فيها. والأحاديث صحيحة صحاح، قد ذكرتُ جملة منها في «المغني» و «الحدائق».
قوله عزّ وجلّ: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ قال ابن قتيبة: أي: عابسة مقطّبة.
قوله عزّ وجلّ: تَظُنُّ قال الفراء: أي: تعلم، و «الفاقرة» يقال: إنه الداهية. قال ابن قتيبة: إنه من فَقارة الظهر، كأنها تكسره، يقال: فَقَرْتُ الرجل إذا كسرتَ فَقارَه، كما يقال: رَأَسْتُه: إذا ضربتَ رأْسَه، وبَطَنْتُه: إذا ضَرَبْتَ بَطْنَه. قال ابن زيد: والفاقرة: دخول النار. قال ابن السائب: هي أن تُحْجَبَ عن ربها، فلا تنظر إليه.

صحيح. أخرجه البخاري ٤٩٢٩ والبغوي في «التفسير» ٢٢٩٧ بترقيمنا عن قتيبة بن سعيد بن عن ابن عباس.
وأخرجه البخاري ٥ و ٤٩٢٧ و ٤٩٢٨ و ٥٠٤٤ و ٧٥٢٤ ومسلم ٤٤٨ والترمذي ٣٣٢٩ والنسائي في «التفسير» ٦٥٤ من طريق موسى بن أبي عائشة به.
__________
(١) قال ابن العربي رحمه الله في «الأحكام» ٤/ ٣٤٩: فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلّى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيح. وهذا يعضد ما تقدم في سورة المزمل من قوله: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا أن قراءته صلّى الله عليه وسلم كان يمد صوته مدّا. وهذا المعنى صحيح. وذلك أن المتلقن من حكمه الأوكد أن يصغي إلى الملقن بقلبه ولا يستعين بلسانه، فيشترك الفهم بين القلب واللسان، فيذهب روح التحصيل بينهما، ويخزل اللسان بتجرد القلب للفهم، فيتيسر التحصيل، وتحريك اللسان يجرد القلب عن الفهم، فيتعسر التحصيل بعادة الله التي يسّرها.

صفحة رقم 371
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية