آيات من القرآن الكريم

وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ
ﯚﯛﯜ

غيرها، وأقبلت بصغاء وشوق إلى سماع ما يقول الداعي، وقد جرت العادة أن الداعي تصادفه عقبتان:
١ - الغرور والفخر والعظمة، فيقول: أنا مسد للنعم إليكم ومفيض للخير عليكم.
٢ - الأعداء وهؤلاء يؤذونه، ويتربصون به الدوائر، ويتتبعونه في كل مكان، ويتالبون عليه ليل نهار، وذلك من أكبر العوامل المثبطة للدعاة التي تجعلهم يكرّون راجعين، ويقولون: ما لنا ولقوم لا يسمعون قولنا، ولنبتعد عن الناس، فإنهم لا يعرفون قدر النعم، ولا يشكرون المنعمين.
٦ - ومن ثم قال تعالى: ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦)﴾ برفع (١) ﴿تَسْتَكْثِرُ﴾؛ لأنّه مستقبل في معنى الحال؛ أي: ولا تعط حال كونك مستكثرًا؛ أي: رائيًا لما تعطيه كثيرًا أو طالبًا للكثير على أنه نهي عن الاستغزار، وهو أن يهب شيئًا وهو يطمع أن يتعوض من الموهوب له أكثر مما أعطاه، وهو جائز، ومنه الحديث: "المستغزر يثاب من هبته"؛ أي: يعوض منها. والغزارة بالغين المعجمة وتقديم الزاي: الكثرة، فالنهي إمّا للتحريم، وهو خاص برسول الله - ﷺ - لعلوّ منصبه في الأخلاق الحسنة، ومن ذلك حلت الزكاة لفقراء أمته، ولم تحل له، ولأهله لشرفه أو للتنزيه للكلّ؛ أي: له ولأمته.
قرأ الجمهور (٢): ﴿وَلَا تَمْنُنْ﴾ بفكّ الإدغام. وقرأ الحسن، وأبو السمال والأشهب العقيلييّ بالإدغام. قال ابن عباس وغيره: لا تعط عطاء لتعطى أكثر منه كأنّه من قولهم: منْ إذا أعطى. قال الضحاك: هذا خاص به - ﷺ - ومباح ذلك لأمته، لكنه لا أجر لهم. وعن ابن عباس أيضًا: لا تقل دعوت فلم أحب. وقرأ الجمهور (٣): ﴿تَسْتَكْثِرُ﴾ بالرفع على أنه حال؛ أي: ولا تمنن حال كونك مستكثرًا؛ أي: رائيًا ما أعطيته كثيرًا. وقيل: على حذف (أن)، والأصل: ولا تمنن أن تستكثر؛ أي: ولا تعط لأجل أن تأخذ كثيرًا من الموهوب له بدل هبتك، فلما حذفت (أن) رفع الفعل، قال الكسائي: فإذا حذف (أن) رفع الفعل. وقرأ يحيى بن

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.

صفحة رقم 390
حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الأمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن الأرمي العلوي الهرري الشافعي
راجعه
هاشم محمد علي مهدي
الناشر
دار طوق النجاة، بيروت - لبنان
سنة النشر
1421
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية