
تنبيه:
قال الجشمي: من أحكام الآية أنها تدل على أن قوم شعيب أهلكوا بعذاب الاستئصال لما لم يقبلوا نصيحة نبيّهم. فتدل على وجوب قبول النصيحة في الدين.
وتدل على أنه لا يجوز الحزن على هلاك الكفرة والظّلمة. بل يجب أن يحمد الله ويشكر. كما قال تعالى: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الأنعام: ٤٥].
لطيفة:
ذكروا أن شعيبا، عليه السلام، يقال له خطيب الأنبياء لفصاحة عبارته، وجزالة موعظته وأصله ما
أخرجه ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا ذكر شعيبا يقول: ذاك خطيب الأنبياء، لحسن مراجعته قومه.
والمراجعة (مفاعلة) من الرجوع، وهي مجاز عن المحاورة. يقال: راجعه القول. وإنما عنى النبي صلّى الله عليه وسلّم ما ذكر في هذه السورة، كما يعلم بالتأمل فيه. كذا في (العناية).
ثم أشار تعالى إلى أحوال سائر الأمم مع أنبيائهم إجمالا، إثر بيان الأمم المذكورة تفصيلا فقال سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأعراف (٧) : آية ٩٤]
وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤)
وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ أي كذبه أهلها إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها أي قبل الإهلاك الكليّ بِالْبَأْساءِ أي شدة الفقر وَالضَّرَّاءِ أي المرض، لاستكبارهم عن اتباع نبيهم، وتعززهم عليه لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ليتضرعوا ويتذللوا، ويحطّوا أردية الكبر والعزة، فيؤمنوا.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأعراف (٧) : آية ٩٥]
ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩٥)
ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ أي أعطيناهم- بدل ما كانوا فيه من البلاء،

كالشدة والمرض- السعة والصحة حَتَّى عَفَوْا أي كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم. من قولهم: عفا النبات، وعفا الشحم والوبر، إذا كثرت. ومنه
قوله صلّى الله عليه وسلّم «١»
(وأعفوا اللحى)
وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ يعني وأبطرتهم النعمة وأشروا، فقالوا كفرانا لها: هذه عادة الدهر. يعاقب في الناس بين الضراء والسراء، وقد مس آباءنا نحو ذلك فصبروا على دينهم، فنحن مثلهم، نقتدي بهم، وما هو بابتلاء من الله لعباده، تصديقا لوعد الرسل، فازدادوا كفرا بعد الإعلام القوليّ والفعليّ.
والمعنى: أن الله تعالى ابتلاهم بالسيئة لينيبوا إليه، فما فعلوا. ثم بالحسنة ليشكروا، فما فعلوا. وإذا لم ينجع فيهم هذا ولا ذاك، فلم يبق إلا أن يأخذهم بالعذاب، وقد فعل. كما قال سبحانه فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أي فأخذناهم أشد الأخذ وأفظعه، وهو أخذهم فجأة، من غير شعور منهم، ولا خطور شيء من المكاره ببالهم، كقوله تعالى: حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا... [الأنعام: ٤٤] الآية-
وفي الحديث «٢»
«موت الفجأة راحة للمؤمن وأخذة أسف للفاجر» رواه الإمام أحمد والبيهقي عن عائشة. مرفوعا.
تنبيه:
اعتقاد أن مناوبة الضراء والسراء عادة الدهر، من غير أن يكون هناك داعية تؤدي إليها، ولا حكمة فيهما، هو من اعتقاد الكافرين.
قال ابن كثير: المؤمن من يتفطن لما ابتلاه الله به من الضراء والسراء، فيشكر الله على السراء، ويصبر على الضراء. ولهذا جاء
في الحديث: «لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج نقيّا من ذنوبه. والمنافق مثله كمثل الحمار لا يدري فيم ربطه أهله، ولا فيما أرسلوه»
- أو كما قال-.
وفي الصحيحين «٣» :«عجبا لأمر المؤمن. إن أمره كله خير. وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء يشكر، فكان خيرا له. وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له».
والبخاري في: اللباس، ٦٥- باب إعفاء اللحى، حديث رمق ٢٢٩٢.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في المسند ص ١٣٦ ج ٦.
(٣) أخرجه مسلم في: الزهد والرقائق، حديث ٦٤.
ولم يخرجه البخاري.