
بدل من الذين استضعفوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ إنما لم يقولوا إنا بما أرسل به كما قال الآخرون لئلا يكون اعترافا برسالته فَعَقَرُوا النَّاقَةَ نسب العقر إلى جميعهم لأنهم رضوا به، وإن لم يفعله إلا واحد منهم وهو الأحيمر الرَّجْفَةُ الصيحة حيث وقعت، وذلك أن الله أمر جبريل فصاح صيحة بين السماء والأرض فماتوا منها جاثِمِينَ حيث وقع أي قاعدين لا يتحركون فَتَوَلَّى عَنْهُمْ الآية: يحتمل أن يكون توليه عنهم وقوله لهم حين عقروا الناقة قبل نزول العذاب بهم، لأنه روي أنه خرج حينئذ من بين أظهرهم، أو أن يكون ذلك بعد أن هلكوا، وهو ظاهر الآية، وعلى هذا خاطبهم بعد موتهم على وجه التفجع عليهم، وقوله: لا تحبون الناصحين: حكاية حال ماضية إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ العامل في إذ أرسلنا المضمر، أو يكون بدلا من لوط ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ أي لم يفعلها أحد من العالمين قبلكم، ومن الأولى زائدة، والثانية للتبعيض أو للجنس وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ الآية: أي أنهم عدلوا عن جوابه على كلامه إلى الأمر بإخراجه وإخراج أهله أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ أي يتنزهون عن الفاحشة مِنَ الْغابِرِينَ أي من الهالكين، وقيل: من الذين غبروا في ديارهم فهلكوا، أو من الباقين من أترابها يقال غبر بمعنى مضى، وبمعنى بقي، وإنما قال: من الغابرين بجمع المذكر تغليبا للرجال الغابرين وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً يعني الحجارة أصيب بها من كان منهم خارجا عن بلادهم، وقلبت البلاد بمن كان فيها بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ أي آية ظاهرة، ولم تعين في القرآن آية شعيب فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ كانوا ينقصون في الكيل والوزن، فبعث شعيب ينهاهم عن ذلك، والكيل هنا بمعنى المكيال الذي يكال به مناسبة للميزان، كما جاء في هود المكيال والميزان، ويجوز أن يكون الكيل والميزان مصدرين
وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ قيل هو نهي عن السلب وقطع الطريق، وكان ذلك من فعلهم وكانوا يقعدون على الطريق يردّون الناس عن اتباع شعيب

ويوعدونهم إن اتبعوه وَتَصُدُّونَ أي تمنعون الناس عن سبيل الله وهو الإيمان، والضمير في به للصراط أو لله تَبْغُونَها عِوَجاً ذكر في [آل عمران: ٩٩] أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا أي ليكونن أحد الأمرين: إما إخراجهم، أو عودهم إلى ملة الكفر، فإن قيل: إن العود إلى الشيء يقتضي أنه قد كان فعل قبل ذلك فيقتضي قولهم: لتعودن في ملتنا أن شعيبا ومن كان معه كانوا أولا على ملة قومهم، ثم خرجوا منها فطلب قومهم أن يعودوا إليها وذلك محال، فإن الأنبياء معصومون من الكفر قبل النبوة وبعدها فالجواب من وجهين: أحدهما قاله ابن عطية وهو أن عاد قد تكون بمعنى صار، فلا يقتضي تقدم ذلك الحال الذي صار إليه، والثاني: قاله الزمخشري وهو أن المراد بذلك الذين آمنوا بشعيب دون شعيب، وإنما أدخلوه في الخطاب معهم بذلك كما أدخلوه في الخطاب معهم في قولهم: لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك، فغلبوا في الخطاب بالعود الجماعة على الواحد، وبمثل ذلك يجاب عن قوله: إن عدنا في ملتكم، وما يكون لنا أن نعود فيها قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ الهمزة للاستفهام والإنكار، والواو للحال، تقديره: أنعود في ملتكم ويكون لنا أن نعود فيها ونحن كارهون قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ أي إن عندنا فيها فقد وقعنا في أمر عظيم من الافتراء على الله، وذلك تبرأ من العود فيها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا هذا استسلام لقضاء الله على وجه التأدب مع الله وإسناد الأمور إليه، وذلك أنه لما تبرأ من ملتهم: أخبر أن الله يحكم عليهم بما يشاء من عود وتركه فإن القلوب بيده يقلبها كيف يشاء، فإن قلت: إن ذلك يصح في حق قومه، وأما في حق نفسه فلا فإنه معصوم من الكفر؟ فالجواب: أنه قال ذلك تواضعا وتأدبا مع الله تعالى، واستسلاما لأمره كقول نبينا صلّى الله عليه وسلّم «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» «١» مع أنه قد علم أنه يثبته رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا أي احكم كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أي كأن لم يقيموا في ديارهم