
[الجزء التاسع]
[تتمة سورة الأعراف]بقية قصة شعيب مع قومه محاورته الملأ وعقابهم بالزلزلة
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨٨ الى ٩٣]
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (٨٩) وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٩٠) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٩١) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (٩٢)
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (٩٣)
الإعراب:
أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ الهمزة للاستفهام، والاستفهام هنا للإنكار، والواو واو الحال، تقديره: أتعيدوننا في ملتكم في حال كراهتنا؟.
إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ: أن وصلتها في موضع نصب على الاستثناء المنقطع، تقديره: وما يكون لنا أن نعود فيها إلا بمشيئة الله. وقوله: نعود فيها: أي نصير، ولا يريد به أن يرجع لأنه لم يكن في ملة الكفر، فخرج منها حتى يعود عِلْماً تمييز منصوب لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ اللام لام القسم. صفحة رقم 5

الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً الذين: في موضع رفع لأنه صفة أو بدل من الذين كفروا في قوله تعالى: وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا.... ويجوز أن يكون في موضع مبتدأ مرفوع، وخبره جملة كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا واسمها محذوف أي كأنهم ويجوز أن يكون خبره جملة الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ وكَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا في موضع نصب على الحال.
البلاغة:
عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا: تقديم الجار والمجرور لإفادة الحصر، وإظهار الاسم الجليل للمبالغة في التضرع.
المفردات اللغوية:
أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا ترجعن إلى ديننا، وغلبوا في الخطاب الجمع على الواحد لأن شعيبا لم يكن في ملتهم قط. وعلى نحوه أجاب بقوله: أنعود فيها ولو كنا كارهين؟ والاستفهام للإنكار.
وما يكون لنا ينبغي وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أي وسع علمه كل شيء، ومنه حالي وحالكم رَبَّنَا افْتَحْ احكم، والفاتح: الحاكم الْفاتِحِينَ الحاكمين. والفتاح: الحاكم، بطريق المبالغة. وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ أي قال بعضهم لبعض.
الرَّجْفَةُ الزلزلة الشديدة، وأصل معنى الرجفة: الحركة والاضطراب جاثِمِينَ باركين على الركب، ميتين لم يغنوا فيها يقيموا في ديارهم.
الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ التأكيد بإعادة الموصول وغيره للرد عليهم في قولهم السابق: لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ.
فَتَوَلَّى أعرض وَنَصَحْتُ لَكُمْ فلم تؤمنوا فَكَيْفَ آسى أحزن عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ استفهام بمعنى النفي.
التفسير والبيان:
هذه تتمة قصة شعيب مع قومه تضمنت موضوعين: الأول- محاورة شعيب لأشراف قومه، وبيان عاقبة الكافرين بإنزال العذاب العام عليهم.
أما المحاورة: فقال زعماء القوم الذين تكبروا عن الإيمان وعن اتباع ما أمرهم

به وما نهاهم عنه من عبادة الله وحده، وإيفاء الكيل والميزان، وعدم الفساد في الأرض، وإنذارهم بالعذاب بقوله: فاصبروا، قالوا في توعدهم شعيبا ومن معه من المؤمنين: قسما لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ ومن آمن معك من بلادنا كلها، أو لترجعن إلى ملتنا وديننا الموروث عن الآباء.
وهذا تهديد منهم بأحد أمرين: إما النفي والطرد من القرية، وإما الإكراه والقهر على الرجوع في ملتهم. وهذا الخطاب مع الرسول شعيب، والمراد أتباعه الذين كانوا معه على الملة.
قال شعيب مستفهما استفهاما إنكاريا ومتعجبا: أتفعلون ذلك وتأمروننا بالعود في ملتكم، ولو كنا كارهين ما تدعونا إليه من أحد الأمرين؟.
إنكم تجهلون ما نحن عليه من ثبات العقيدة في القلب، فلا ينزعها أحد، وتجهلون أن حب الوطن لا يزعزع العقيدة، ولا يجعلنا نؤثر الإقامة في بلادنا على مرضاة الله بتوحيده وعبادته واتباع أوامره.
ثم أعلن رفضه التام العودة إلى ملة الكفر قائلا: إنا إذا رجعنا إلى ملتكم واتبعنا دينكم القائم على الشرك، فقد أعظمنا الفرية على الله في جعل الشركاء معه أندادا، بعد أن نجانا الله من تلك الملة الباطلة، وهدانا إلى ملة التوحيد واتباع الصراط المستقيم.
إن هذا لأمر عجيب. وهذا تنفير من شعيب عن اتباعهم.
وقوله: إِذْ نَجَّانَا أي نجّى أصحابنا منها، من طريق التغليب بإدخال نفسه في زمرتهم، مع أن الأنبياء معصومون من الكفر.
وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها... أي ما ينبغي لنا وليس من شأننا أن نعود في ملتكم أبدا، ولن يحوّلنا أحد عما نحن فيه من الاستقامة، لاعتقادنا الجازم أننا على الحق الأبلج، وأنتم على الملة الباطلة- ملة الكفر والشرك. لكن إيمانا منا بمشيئة الله يجعلنا نفوض الأمر لله، فإن شاء الله الذي يعلم كل شيء، وله

الحكمة البالغة في كل شيء، أن يفعل شيئا، فذلك مرجعه إلى الله لأنه المتصرف في أمورنا كلها. وهذا تأكيد لرفض العود إلى ملتهم بأبلغ التأكيد. ولا طمع لكم في مشيئة الله الذي يثبّت عباده المخلصين على الإيمان والقول الثابت في الحياة الدنيا أن يعيدنا إلى الضلال لأن الله متعال عن أن يشاء ردة المؤمنين وعودهم إلى الكفر، فذلك خارج عن الحكمة.
إن الله تعالى أحاط علمه بكل شيء، فهو واسع العلم، كثير الفضل، يتصرف بحكمة، ومشيئته تكون بحسب الحكمة، ولا يشاء إلا الخير للناس. ومعنى الآية: أنه عالم بكل شيء مما كان ومما يكون، فهو يعلم أحوال عباده كيف تتحول، وقلوبهم كيف تتقلب، وكيف تقسو بعد الرقة، وتمرض بعد الصحة، وترجع إلى الكفر بعد الإيمان.
وعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا في أمورنا، مع القيام بما يجب علينا من الحفاظ على شرعه ودينه، وتوكلنا في أن يثبتنا على الإيمان، ويوفقنا لازدياد اليقين: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق ٦٥/ ٣] ومن شروط التوكل الصحيح تنفيذ الأحكام الشرعية ومراعاة السنن المطلوبة في الحياة من اتخاذ الأسباب ثم تفويض الأمر إلى الله تعالى.
سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيعقل ناقته أم يتركها سائبة ويتوكل على الله؟ فأجابه فيما روى الترمذي: «اعقلها وتوكل».
وهذا رفض آخر للمساومة ومحاولة إعادتهم إلى ملتهم بالدليل.
ثم دعا شعيب على قومه لما يئس منهم فقال: ربنا احكم بيننا وبين قومنا بالحق، وانصرنا عليهم، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ مثل قوله: وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ [الأعراف ٧/ ٨٧] أي إنك العادل الذي لا يجور أبدا، تحكم بالحق في النزاع بين المرسلين والكافرين، وبين المحقين والمبطلين.
ثم بعد أن يئس الكفار من عودة المؤمنين برسالة شعيب إلى ملتهم، لجؤوا إلى

استخدام التهديد والوعيد، فقال أشرافهم لمن دونهم من المستضعفين المؤمنين، لتثبيطهم عن الإيمان: تالله لئن اتبعتم شعيبا فيما يقول وآمنتم به إنكم لخاسرون خسارة معنوية في فعلكم بترككم ملة الآباء والأجداد العريقين إلى دين جديد يدعوكم إليه، لم تألفوه، ولم تعرفوا مصداقيته، وخاسرون خسارة مادية إذ لم تزيدوا ثروتكم بتطفيف الكيل والميزان وأخذ أموال الآخرين وتخسرون باتباع شعيب فوائد البخس والتطفيف لأنه ينهاكم عنهما، ويحملكم على الإيفاء والتسوية.
ويلاحظ أن القرآن وصف الأشراف والسادة أولا بالاستكبار عن الإيمان بالله وبرسالة شعيب عليه السلام، ثم وصفهم بالإغواء والإضلال ومحاولة تكفير المؤمنين بشعيب، ثم وصفهم بالكفر والإرهاب ثم أعقب ذلك ببيان عاقبة أمرهم وتعذيبهم فقال: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ... أي إنهم أبيدوا وأهلكوا بالزلزلة الشديدة، والصيحة المرعبة، كما أرجفوا شعيبا وأصحابه وتوعدوهم بالطرد والإجلاء، فأصبحوا منكبين على وجوههم ميتين. وقد عبر عن عذابهم هنا بالرجفة، وفي سورة هود بالصيحة كعذاب ثمود لأن الرجفة أي الزلزلة لا تنفك عن الصيحة العظيمة الهائلة: كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ [هود ١١/ ٩٥].
وفي سورة الشعراء بيّن سبحانه أنه أرسل شعيبا إلى أصحاب الأيكة وهم إخوة مدين في النسب، والأيكة: الغيضة بين ساحل البحر ومدين، وكان عذاب مدين بالصيحة والرجفة المصاحبة لها. وعذاب أصحاب الأيكة بالسّموم والحر الشديد بعد أن تجمعوا تحت ظلّة من السحاب يتفيئون بظلها من وهج الشمس، فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا. فالظلة: هي سحابة أظلتهم فيها شرر من نار ولهب ووهج عظيم. والخلاصة: لقد اجتمع على قوم شعيب ذلك كله، أصابهم عذاب يوم الظلة، ثم جاءتهم صيحة من السماء، ورجفة من الأرض شديدة من

أسفل منهم، فزهقت أرواحهم وجمدت أجسامهم «١».
فمن الخاسر إذن؟ الحقيقة أن الذين كذبوا شعيبا هم الخاسرون على سبيل الحصر، وهم المخصوصون بأن أهلكوا واستؤصلوا، كأن لم يقيموا في دارهم، وهو رد على قولهم السابق: لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ والمراد من هذا الرد:
المبالغة في الذم والتوبيخ، وأما الإعادة فهي لتعظيم الأمر وتفخيمه وتهويل ما يستحقون من الجزاء على جهلهم، لذا كرر قوله: الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً.
الحق أن الكافرين هم الذين خسروا خسرانا عظيما في الدنيا والآخرة، دون المؤمنين لأن الذين اتبعوا شعيبا قد أنجاهم الله، فهم الرابحون. كما قال تعالى:
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا، وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ، فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ [هود ١١/ ٩٤].
وفي هذا دلالة واضحة على أن العاقبة للمتقين، والربح الحقيقي لمن يأكل الحلال، ويترفع عن الحرام، وأن الدمار والهلاك والإفلاس للكافرين الذين ينغمسون في الحرام، ويأكلون أموال الناس بالباطل.
وأما شعيب فقد أدبر عنهم وتولى عنهم بعد ما أصابهم من العذاب والنقمة والنكال، وقال موبخا لهم ومقرعا: يا قَوْمِ، لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ أي قد أديت إليكم ما أرسلت به، فلا آسف عليكم، وقد كفرتم بما جئتكم به، كما قال: فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ؟! أي فكيف أحزن على قوم أنكروا وحدانية الله، وكذبوا رسوله، ولقد أعذر من أنذر. قال الكلبي:
خرج من بين أظهرهم، ولم يعذب قوم نبي حتى أخرج من بينهم.

فقه الحياة أو الأحكام:
كان من أثر دعوة شعيب خطيب الأنبياء قومه إلى عبادة الله وترك أكل أموال الناس بالباطل، أنهم واجهوه بالتخيير بين أمرين خطيرين: إما الطرد والجلاء، وإما الصيرورة إلى ملتهم، وهذا هو المقصود بقولهم: أَوْ لَتَعُودُنَّ أي لتصيرن إلى ملتنا، فوقع العود بمعنى الابتداء، تقول العرب: قد عاد إليّ من فلان مكروه، يريدون قد صار إلي منه المكروه، ولا يعني ذلك أن شعيبا كان قبل النبوة على ملتهم، فهو معصوم من الكفر، وكذلك كان خطاب شعيب من قبيل التغليب، فإنهم خاطبوه بخطاب أتباعه، وأجروا عليه أحكامهم.
والحزم يقابله الحزم والإصرار، فكان رد شعيب حاسما وقاطعا بأنه لن يفعل ما يريدون، ولن يعود أي يصير إلى ملتهم، فإنه إن فعل ذلك بعد أن تبين له الحق، فقد افترى على الله، وكذلك كان أتباعه صريحين صارمين، وجوابه جوابهم. وهذا نابع من أصل النبوة والرسالة، فإنها تتميز بصدق اللهجة، والبراءة عن الكذب، فالعود في ملتهم يبطل النبوة، ويزيل الرسالة.
وقد نظم شعيب نفسه مع قومه بقوله: إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها أي من الملة، وإن كان بريئا منها، إجراء للكلام على حكم التغليب، كما ذكروا في كلامهم: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا.
وتمسك الأشاعرة بقوله تعالى: إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ على أنه تعالى قد يشاء الكفر لأن المعنى: إلا أن يشاء الله أن يعيدنا إلى ملتكم، وكانت تلك الملة كفرا. وقال المعتزلة: لا يشاء تعالى إلا الخير والصلاح لأن هذا الاستثناء وهو: إلا أن يشاء الله أن يعيدنا إلى ملتكم قضية شرطية، وليس فيها بيان أنه تعالى شاء ذلك أو ما شاء، وهذا أيضا مذكور على سبيل التبعيد، كما يقال:
لا أفعل ذلك إلا إذا ابيضّ القار (الزفت) وشاب الغراب.

ووجه تعلق قوله تعالى: وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً بما قبله: أنه ربما كان في علمه تعالى حصول أمر ثالث غير الإخراج والعود إلى الملة، وهو البقاء في هذه القرية من غير أن نعود إلى ملتكم، ويجعلكم مقهورين تحت أمرنا، خاضعين تحت حكمنا.
ودل قوله تعالى: وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً على أنه تعالى كان عالما في الأزل بجميع الأشياء لأن قوله: وسع فعل ماض، فيتناول كل ماض، بل إنه يتناول علم الحاضر والمستقبل وعلم المعدوم لأن التعبير بالماضي يفيد الجزم بحصول العلم بكل الأشياء.
ودل قوله تعالى: عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا، رَبَّنَا افْتَحْ... على أن النبي وكل مؤمن ينبغي أن يظل على صلة بالله وتفويض كامل في أموره له، فقوله:
عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا يفيد الحصر، أي عليه توكلنا لا على غيره، وقوله: رَبَّنَا افْتَحْ... يراد به تفويض الحكم إلى الله والدعاء له واللجوء إليه، وقوله:
وأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ يراد به الثناء على الله تعالى.
واستدل الأشاعرة بقوله: وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ على أنه تعالى هو الذي يخلق الإيمان في العبد.
ودلت آية لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً على أن قوم شعيب استحقوا عذاب الإهلاك أو الاستئصال بأمرين: الكفر أو الضلال، والإضلال لغيرهم أو الإغواء.
وتعذيبهم كان بالرجفة (وهي الزلزلة الشديدة المهلكة) وبالصيحة (وهي الصوت الشديد المهلك) معا التي تلازم الرجفة ولا تنفك عنها. وذلك العذاب كان مختصا بأولئك المكذبين، ونجّى الله المؤمنين، وذلك يدل على ثلاثة أمور:
أن ذلك العذاب إنما حدث بخلق فاعل مختار، وليس أثر الكواكب والطبيعة، وإلا لعم أتباع شعيب، وذلك الفاعل المختار عالم بجميع الجزئيات، حتى يمكنه