آيات من القرآن الكريم

فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ
ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ

تأكل في أرض الله، وهو في موضع الحال بمعنى آكلة وَبَوَّأَكُمْ ونزلكم. والمباءة: المنزل فِي الْأَرْضِ في أرض الحجر بين الحجاز والشام مِنْ سُهُولِها قُصُوراً أى تبنونها من سهولة الأرض بما تعملون منها من الرهص «١» واللبن والآجر. وقرأ الحسن: وتنحتون بفتح الحاء وتنحاتون بإشباع الفتحة، كقوله:
يَنْبَاعُ مِنْ ذَفْرَى أَسِيلٍ حُرَّةٍ «٢»
فإن قلت: علام انتصب بُيُوتاً؟ قلت: على الحال، كما تقول: خط هذا الثوب قميصاً وأبر هذه القصبة قلما، وهي من الحال المقدّرة، لأن الجبل لا يكون بيتاً في حال النحت، ولا الثوب ولا القصبة قميصاً وقلما في حال الخياطة والبرى. وقيل: كانوا يسكنون السهول في الصيف والجبال في الشتاء.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٧٥ الى ٧٩]
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٧٨) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩)

(١). قوله «من الرهص» هو الصخر الثابت في أسفل الحائط. اهـ من الصحاح. (ع)
(٢).
وكان ربا أو كحيلا معقدا حش الوقود به جوانب قمقم
ينباع من ذفرى أسيل حرة زيافة مثل الفنيق المكرم
لعنترة بن شداد العبسي من معلقته، يصف عرق ناقته من السير، فشبه بالرب، وهو العصير والطلاء. أو بالكحيل وهو القطران المنعقد بالنار على جوانب القمقم. وأعقدت الدواء: أغليته حتى خثر. وحش الوقود: أشعله وأوقده. وهو هنا مبنى للمجهول وأصل «ينباع» ينبع، فتولدت الألف للأشباع، والذفرى: نقرة منخفضة جنب الأذن، إذا طال سير البعير انتفخ من وسطها جلدة وارتفعت وسال منها العرق في النقرة، وهي المشبهة بالقمقم سابقاً. وقيل الذفرى أصل الأذن. والأسيل: الناقة المستقيمة الخلق، من قولهم: خد أسيل، وكف أسيل، وحر كل شيء: خالصه. زيافة: كثيرة الزيف وهو التبختر في السير. والفنيق: فحل الإبل المكرم باعفائه عن العمل لأجل الضراب، فالمكرم: نعت مفسر. ويروى المكدم بالدال. ويقال: كدمه إذا عضه. وأما أكدمه فلم أقف عليها، ولعلها لغة قليلة. والمكدم اسم مفعول منها، أى الذي كدمته الفحول وعضته فأثرت فيه لتنقب جلدها من أثر الرحل والركض. وروى: من ذفرى غضوب جسرة، أى شديدة الغضب صلبة موثقة الخلق. وقيل «ينباع» وزنه «ينفعل» من البوع، وهو طى المسافة البعيدة، ولا معنى له في البيت.

صفحة رقم 122

لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا للذين استضعفهم رؤساء الكفار واستذلوهم، ولِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بدل من الذين استضعفوا. فان قلت: الضمير في منهم راجع إلى ماذا «١» ؟ قلت: إلى قَوْمِهِ أو إلى لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا. فإن قلت: هل لاختلاف المرجعين أثر في اختلاف المعنى؟ قلت: نعم وذلك أن الراجع إذا رجع إلى قومه فقد جعل لِمَنْ آمَنَ مفسراً لمن استضعف منهم، فدل أن استضعافهم كان مقصوراً على المؤمنين، وإذا رجع إلى الذين استضعفوا لم يكن الاستضعاف مقصوراً عليهم، ودلّ أن المستضعفين كانوا مؤمنين وكافرين أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ شيء قالوه على سبيل الطنز والسخرية، كما تقول للمجسمة: أتعلمون أن الله فوق العرش.
فان قلت: كيف صحّ قولهم إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ جوابا عنه «٢» ؟ قلت: سألوهم عن العلم بإرساله، فجعلوا إرساله أمراً معلوماً مكشوفاً مسلماً لا يدخله ريب، كأنهم قالوا: العلم بإرساله وبما أرسل به ما لا كلام فيه «٣» ولا شبهة يدخله لوضوحه وإنارته، وإنما الكلام في وجوب الإيمان به، فنخبركم أنا به مؤمنون، ولذلك كان جواب الكفرة إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ «٤» فوضعوا آمَنْتُمْ بِهِ موضع أُرْسِلَ بِهِ رداً لما جعله المؤمنون معلوما وأخذوه مسلماً فَعَقَرُوا النَّاقَةَ أسند العقر إلى جميعهم لأنه كان برضاهم وإن لم يباشره إلا بعضهم، وقد يقال للقبيلة الضخمة: أنتم فعلتم كذا، وما فعله إلا واحد منهم وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وتولوا عنه واستكبروا عن امتثاله عاتين، وأمر ربهم: ما أمر به على لسان صالح عليه السلام من قوله فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ أو شأن ربهم وهو دينه. ويجوز أن يكون المعنى: وصدر عتوّهم عن أمر ربهم، كأن أمر ربهم بتركها كان هو السبب في عتوّهم. ونحو عن هذه ما في قوله

(١). قال محمود: «إن قلت الضمير في منهم راجع إلى ماذا؟ قلت: إلى قومه... الخ» قال أحمد: فقوله لِمَنْ على الأول بدل الشيء من الشيء وهما لعين واحدة. وعلى الثاني بدل بعض من كل.
(٢). عاد كلامه. قال محمود: «فان قلت كيف وقع قولهم إنا بما أرسل به مؤمنون جوابا... الخ» قال أحمد:
وقولهم إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ليس إخباراً عن وجوب الايمان به، بل عن امتثال الواجب والعمل به، ونحن قد امتثلنا.
(٣). قوله «ما لا كلام فيه» لعله: مما لا كلام فيه. (ع)
(٤). عاد كلامه. قال محمود: «ولذلك كان جواب الكفرة إنا بالذي... الخ» قال أحمد: ولو طابقوا بين الكلامين لكان مقتضى المطابقة أن يقولوا: إنا بما أرسل به كافرون، ولكن أبوا ذلك حذراً مما في ظاهره من إثباتهم لرسالته وهم يجحدونها. وقد يصدر مثل ذلك على سبيل التهكم، كما قال فرعون إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ فأثبت إرساله تهكما، وليس هذا موضع التهكم، فان الغرض إخبار كل واحد من الفريقين المؤمنين والمكذبين عن حاله، فلهذا خلص الكافرون قولهم عن إشعار الايمان بالرسالة احتياطاً للكفر وعلواً في الإصرار.

صفحة رقم 123

وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ائْتِنا بِما تَعِدُنا أرادوا من العذاب. وإنما جاز الإطلاق لأنه كان معلوما.
واستعجالهم له لتكذيبهم به، ولذلك علقوه بما هم به كافرون، وهو كونه من المرسلين الرَّجْفَةُ الصيحة التي زلزلت لها الأرض واضطربوا لها فِي دارِهِمْ في بلادهم أو في مساكنهم جاثِمِينَ هامدين لا يتحركون موتى. يقال: الناس جثم، أى قعود لا حراك بهم ولا ينبسون نبسة. ومنه المجثمة التي جاء النهى عنها «١»، وهي البهيمة تربط وتجمع قوائمها لترمى. وعن جابر أنّ النبي ﷺ لما مر بالحجر قال: «لا تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالح فأخذتهم الصيحة، فلم يبق منهم إلا رجل واحد كان في حرم الله. قالوا من هو؟ قال: ذاك أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه «٢» » وروى أنّ صالحاً كان بعثه إلى قوم فخالف أمره. وروى أنه عليه السلام مرّ بقبر أبى رغال فقال: «أتدرون من هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. فذكر قصة أبى رغال، وأنه دفن هاهنا ودفن معه غصن من ذهب» فابتدروه وبحثوا عنه بأسيافهم فاستخرجوا الغصن «٣». فَتَوَلَّى عَنْهُمْ الظاهر أنه كان مشاهدا لما جرى عليهم، وأنه تولى عنهم بعد ما أبصرهم جاثمين، تولى مغتمّ متحسر على ما فاته من إيمانهم يتحزن لهم ويقول يا قَوْمِ لَقَدْ بذلت فيكم وسعى ولم آل جهداً في إبلاغكم والنصيحة لكم ولكنكم لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ويجوز أن يتولى عنهم تولى ذاهب عنهم، منكر لإصرارهم حين رأى العلامات قبل نزول العذاب. وروى أنّ عقرهم الناقة كان يوم الأربعاء، ونزل بهم العذاب يوم السبت. وروى أنه خرج في مائة وعشرة من المسلمين وهو يبكى، فالتفت فرأى الدخان ساطعاً فعلم أنهم قد هلكوا، وكانوا ألفا وخمسمائة دار. وروى أنه رجع بمن معه فسكنوا ديارهم.
فإن قلت: كيف صحّ خطاب الموتى وقوله وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ؟ قلت: قد يقول الرجل لصاحبه وهو ميت وكان قد نصحه حياً فلم يسمع منه حتى ألقى بنفسه في التهلكة: يا أخى، كم نصحتك وكم قلت لك فلم تقبل منى؟ وقوله وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ حكاية حال ماضية.

(١). أما النهى فرواه أصحاب السنن وابن حيان والحاكم من حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس «أن رسول الله ﷺ نهى عن الشرب من في السقاء، وعن ركوب الجلالة، وعن المجثمة» ورواه البزار من طريق الوراق عن قتادة عن أنس مثله. وكذا قال، وأخرجه البزار وقال: إسناده حسن. ومن حديث العرباض بن سارية «أن رسول الله ﷺ نهى عن المجثمة، أخرجه الترمذي وحسنه من رواية سعيد بن المسيب عن أبى الدرداء قال «نهى رسول الله ﷺ عن أكل المجثمة وهي التي تضرب بالنبل».
(٢). أخرجه ابن حبان والحاكم وأحمد وإسحاق والطبري من رواية عبد الله بن عثمان بن خيثم عن أبى الزبير عن جابر- وزاد «في غزوة تبوك»، فقام فخطب الناس.
(٣). أخرجه أبو داود وابن حبان والطبراني والبيهقي وأبو نعيم في الدلائل من رواية بجير بن أبى بجير عن عبد الله بن عمرو بن العاص ولفظه «فابتدره الناس فاستخرجوا الغصن» وأما قوله «فبحثوا عنه بأسيافهم» فأخرجه عبد الرزاق عن معمر مرسلا. [.....]

صفحة رقم 124
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية