
فرعون كذلك قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعلى أشقى الأولين عاقر ناقة صالح وأشقى الآخرين قاتلك وَعَتَوْا العتو الغلو فى الباطل يقال عتى يعتوا عتوا إذا استكبر فى القاموس عتوا وعتيا وعتيا استكبر وجاوز الحد والمعنى استكبر عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ اى عن امتثاله وهو ما بلغهم صالح عليه السلام بقوله فذروها وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ اى زلزلة الأرض وحركتها واهلكوا بالصيحة والرجفة فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ قيل أراد الدنيا وقيل أراد ارضهم وبلدتهم ولذلك وحد الدار جاثِمِينَ خامدين ميتين فى القاموس جثم الطائر والإنسان لزم مكانه فلم يبرح وقيل معناه ميتين قعودا يقال الناس جثم اى قعود لا حراكة بهم ولا يتكلمون قيل سقطوا على وجوههم موتى عن آخرهم.
فَتَوَلَّى اى اعرض عَنْهُمْ صالح وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ فان قيل كيف خاطبهم بقوله أبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم بعد ما اهلكوا بالرجفة قيل كما خاطب النبي صلى الله عليه واله وسلم قتلى بدر بعد ما القوا فى القليب روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى طلحة انه قال لما كان من يوم بدر الثالث امر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم براحلة فشد عليها رحلها ثم مشى ومعه أصحابه وقالوا ما نرى لينطلق الا لبعض حاجته حتى قام على سفير القليب فجعل يناديهم يا أبا جهل بن هشام ويا امية بن خلف يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة أيسركم انكم أطعتم الله ورسوله هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقا فانى وجدت ما وعدني ربى حقا بئس عشيرة التي كنتم لنبيكم كذبتمونى وصدقنى الناس وقاتلتمونى ونصرنى الناس فجزاكم الله عنى من إصابة شرا خوفتمونى أمينا وكذبتمونى صادقا فقال عمر يا رسول الله أتناديهم بعد ثلث كيف تكلم أجسادا لا روح فيها فقال ما أنتم باسمع لما أقول منهم انهم الان يسمعون ما أقول لهم غير انهم لا يستطيعون ان يردوا علينا شيئا وقيل خاطبهم ليكون عبرة لمن خلفهم وقيل فى الاية تقديم وتأخير تقديرها فتولى عنهم فقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربى الاية فاخذتهم الرجفة وكان قصة ثمود على ما ذكره محمد بن إسحاق ووهب وغيرهما كذا اخرج ابن جرير والحاكم من طريق حجاج عن ابى بكر بن عبد الله عن شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان عادا لما أهلكت عمّرت ثمود

بلادهم وخلفوهم وكثروا وعمّروا حتى جعل أحدهم يبنى المسكن من المدر فينهدم والرجل حىّ فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتا وكانوا فى سعة من معاشهم فعتوا وأفسدوا فى الأرض وعبدوا غير الله فبعث الله إليهم صالحا وكانوا قوما عربا وكان صالح من أوسطهم نسبا وأفضلهم حسبا وموضعا فبعثه الله إليهم غلاما شابا فدعاهم الى الله عز وجل حتى شمط «١» لا يتبعه منهم الا قليل مستضعفون فلما ألح عليهم صالح بالدعاء والتبليغ واكثر لهم التحذير والتخويف سألوه ان يريهم اية تكون مصداقا لما تقول فقال لهم اى اية تريدون قالوا تخرج معنا غدا الى عيدنا وكان لهم عيد يخرجون فيه بأصنامهم فى يوم معلوم من السنة فتدعو إلهك وندعوا الهتنا فان استجيب لك اتبعناك وان استجيب لنا تتبعنا فقال لهم صالح نعم فخرجوا باوثانهم الى عيدهم وخرج صالح معهم فدعوا أوثانهم وسألوها ان لا يستجاب لصالح فى شىء مما يدعو به ثم قال جندع بن عمرو بن جواس وهو يومئذ سيد ثمود يا صالح اخرج لنا من هذه الصخرة لصخرة منفردة فى ناحية الحجر يقال لها الكاثبة ناقة مخترجة جوفاء وبراء عشراء والمخترجة ما شاكلت البخت من الإبل فان فعلت صدقناك وأمنا بك فاخذ عليهم صالح مواثيقهم لئن فعلت لتصدقنتى ولتؤمنن بي قالوا نعم فصلى صالح ركعتين دعا ربه فتمخضت «٢» الصخرة تمخض النتوج بولدها ثم تحركت الهضبة فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وو براء كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها الا الله تعالى عظ وهم ينظرون ثم نتجت ولدا مثلها فى العظم فامن به جندع بن عمرو ورهط من قومه وأراد اشراف ثمود ان يؤمنوا ويصدقوه فنهاهم ذواب بن عمرو بن لبيد والحباب صاحب أوثانهم ورباب بن ميمعر وكان كاهنهم وكانوا من اشراف ثمود فلما خرجت الناقة قال لهم صالح هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم فمكثت الناقة مع ولدها فى ارض ثمود ترعى الشجرة وتشرب الماء وكانت ترد الماء غبا فاذا كان يومها وضعت الناقة راسها فى بير فى حجر يقال لها بير الناقة فلا ترفع راسها حتى تشرب كل ماء فيها فلا تدع قطرة ثم تتفجح «٣» فيحلبون ما شاؤا من لبن فيشربون ويدخرون حتى تملأ أوانيهم كلها ثم تصدر من غير الفج الذي وردت منه لا تقدر ان تصدر من حيث ترد تضيق عنها حتى إذا كان الغد كان يومهم فيشربون ما شاؤا من الماء ويدخرون ما شاء واليوم الناقة فهم من ذلك
(٢) فتمخضت يعنى أخذها المخاض هو الطلق عند الولادة ١٢
(٣) تتفجح اى تتباعد فخذيها الفجح تباعد ما بين الفخذين ١٢

وكانت الناقة تصيف إذا كانت الحر بظهر الوادي فتهرب منها المواشي اغنامهم وبقورهم وإبلهم فتهبط الى بطن الوادي فى حرة وجد به وتشتو ببطن الوادي إذا كان الشتاء فتهرب مواشيهم الى ظهر الوادي فى البرد والجدب فاضر ذلك بمواشيهم للبلاء والاختبار فكبر ذلك عليهم فعتوا عن امر ربهم وحملهم ذلك على عقر الناقة فاجمعوا على عقرها وكانت امرأتان من ثمود إحداهما يقال لها عنيزة بنت غنم بن مجلذ تكنى أم غنم وكانت امرأة ذواب بن عمرو وكانت عجوزة مسنة وكانت ذات بنات حسان وذات مال من ابل وبقر وغنم وامرأة اخرى يقال لها صدوف بنت المختار وكانت جميلة ذات مواش كثيرة وكانتا أشد الناس عداوة لصالح عليه السلام وكانتا تحبان عقر الناقة لما اضرتهما من مواشيهما فحملتا فى عقر الناقة فدعت صدوف رجلا من ثمود يقال له الحباب قال لها اعقر الناقة وعرضت عليه نفسها ان هو فعل فابى عليها فدعت ابن عم لها يقال له مصدع بن مهرج بن المختار وجعلت له نفسها على ان يعقر الناقة وكانت من احسن الناس وأكثرهم مالا فاجابها الى ذلك ودعت عنيزة بنت غنم قذار بن سالف وكان رجلا احمر ازرق قصيرا يزعمون انه كان لزينة وانه لم يكن لسالف لكنه ولد على فراشه فقالت أعطيك اى بناتي شئت على ان تعقر الناقة وكان قذار عزيزا منيعا فى قومه قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فى تفسير قوله تعالى إذا انبعث أشقاها انبعث رجل عزيز عازم منيع فى قومه مثل ابى زمعة رواه البخاري من حديث عبد الله بن زمعة فانطلق قذار بن سالف ومصدع ابن مهرج فاستتبعوا بأعوان ثمود فاتبعهم سبعة نفر وكانوا تسعة رهط فانطلق قذار ومصدع وأصحابهما فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن لها قذار فى اصل صخرة على طريقها وكمن لها مصدع فى طريق اخر فمرت على مصدع فرمى بسهم فانتظم به عضلة ساقها وخرجت أم غنم عنيزة وأمرت ابنتها وكانت من احسن الناس فاسفرت لقذار ثم زمرته فشد على الناقة بالسيف فكشف عرقوبها فخرت ورغت واحدة تحذر ولدها ثم طعن فى لبتها فنحرها وخرج اهل البلدة واقتسموا لحمها وطبخوه فلما رأى ولدها ذلك انطلق حتى اتى جبلا منيعا يقال له صور وقيل اسمه فازه فاتى صالح وقيل له أدرك الناقة فقد عقرت فاقبل وخرجوا يتلقونه ويعتذرون اليه يا نبى الله انما عقرها فلان ولا ذنب لنا فقال صالح انظروا هل تدركون فصيلها فان أدركتموه فعسى ان يرفع عنكم العذاب فخرجوا يطلبونه
صفحة رقم 378
فلما رأوا على الجبل ذهبوا لياخذوه فاوحى الله تعالى الجبل فتطاول فى السماء حتى ما يناله الطير وجاء صالح فلما رأه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ثم رغى ثلثا وانفجرت الصخرة فدخلتها فقال صالح لكل رغوة أجل يوم تمتعوا فى داركم ثلثة ايام ذلك وعد غير مكذوب قال ابن إسحاق اتبع السقب اربعة نفر من التسعة الذين عقروا الناقة وفيهم مصدع بن مهرج واخوه ذاب بن مهرج فرماه مصدع بسهم فانتقم قلبه ثم جره برجله فانزلوه فالقوا لحمه مع لحم امه فقال لهم صالح انتهكتم حرمة الله فابشروا بعذاب الله ونقمته قالوا وهم يستهزءون به ومتى ذلك يا صالح وما اية ذلك وكانوا يسمون الأيام فيهم الأحد الاول والاثنين العون والثلاثا دبار والأربعاء حبار والخميس مونس والجمعة العروبة والسبت شيار وكانوا عقروا الناقة يوم الأربعاء فقال لهم صالح حين قالوا ذلك تصبحون غداة يوم المونس ووجوهكم مصفرة ثم تصبحون يوم العروبة ووجوهكم محمرة ثم تصبحون يوم شيار ووجوهكم مسودة ثم يصبحكم العذاب يوم أول فلما قال لهم صالح ذلك قال التسعة الذين عقروا الناقة هلم فلتقتل صالحا فان كان صادقا عجلناه قتلا وان كان كاذبا قد كنا الحقناه بناقته فاتوه ليلا ليبيتوه فى اهله فدفعتهم الملئكة بالحجارة فلما أبطئوا على أصحابهم أتوا منزل صالح فوجدوهم قد رضخوا بالحجارة فقالوا لصالح أنت قتلتهم ثم هموا به فقامت عشيرته دونه ولبسوا السلاح وقالوا لهم لا تقتلونه ابدا فقد وعدكم ان العذاب نازل بكم بعد ثلث فان كان صادقا لم تزيدوا ربكم عليكم الا غضبا وان كان كاذبا فانتم من وراء ما تريدون فانفرقوا عنهم ليلتهم فاصبحوا يوم الخميس ووجوهم مصفرة كانما طليت بالخلوف صغيرهم
وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم وأيقنوا بالعذاب وعرفوا ان قد صدقهم فطلبوا ليقتلوه وخرج صالح هاربا منهم حتى جاء الى بطن من ثمود يقال لهم بنو غنم فنزل على سيدهم رجل منهم يقال له نفيل ويكنى بابى هدب وهو مشرك فغيّبه ولم يقدروا عليه فغدوا على اصحاب صالح يعذبونهم ليدلوهم عليه فقال رجل من اصحاب صالح يقال له ميدع بن هرم يا نبى الله انهم ليعذبوننا لندلهم عليك أفندلهم قال نعم قل عندى صالح وليس لكم عليه سبيل فاعرضوا عنه وتركوه وشغله عنه ما انزل الله بهم من عذابه فجعل بعضهم يخبر بعضا بما يرون فى وجوههم فلما امسوا صاحوا بأجمعهم الا وقد مضى من الاجل يوم فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كانما خضبت بالدماء فصاحوا وبكوا

انه العذاب فلما امسوا صاحوا بأجمعهم الا وقد مضى يومان من الاجل وحضركم العذاب فلما أصبحوا اليوم الثالث إذا وجوههم مسودة كانما طليت بالقار فصاحوا جميعا الا وقد حضركم العذاب فلما كان ليلة الأحد خرج صالح من بين أظهرهم ومن اسلم معه الى الشام فنزل رملة فلسطين فلما أصبح القوم تكفنوا وتحنطوا والقوا أنفسهم الى الأرض يقلبون أبصارهم الى السماء مرة والى الأرض مرة لا يدرون من اين يأتيهم العذاب فلما اشتد الضحى من يوم الأحد اخذتهم الرجفة فاصبحوا فى ديارهم جاثمين وأتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شىء فى الأرض فتقطعت قلوبهم فى صدورهم فلم يبق منهم صغير ولا كبيرا لاهلك الا جارية مقعدة يقال لها ذريقة بنت سلف وكانت كافرة شديدة العداوة لصالح عليه السلام فانطلق الله رجليها بعد ما عاينت العذاب فخرجت كاسرع ما يرى شىء قط حتى أتت فرخ وهو وادي القرى فاخبرتهم بما عاينته من العذاب وما أصابت ثم استسقت من الماء فسقيت فلما أشربت ماتت وذكر السدى فى عقر الناقة قال فاوحى الله تعالى الى صالح ان قومك سيعقرون ناقتك فقال لهم ذلك فقالوا ما كنا لنفعل فقال صالح انه يولد فى شهركم هذا غلام فسيعقرها فيكون هلاككم على يديه فقالوا لا يولد لنا ولد فى هذا الشهر الا قتلناه فولد عشرة قتلوا منها تسعة وبقي واحد ازرق احمر فنبت نباتا سريعا فكان إذا مر بآباء التسعة ورأوه قالوا لو كان أبنائنا احياء لكانوا مثل هذا فغضب التسعة على صالح لانه كان سبب قتل أبنائهم فتقاسموا بالله لنبيتنه واهله قالوا نخرج فيرى الناس انا قد خرجنا الى سفر فناتى الغار فنكون فيه حتى إذا كان الليل وخرج صالح الى مسجده اتيناه فقتلناه ثم رجعنا الى الغار وكنا فيه ثم انصرفنا الى رحالنا فقلنا ما شهدنا مهلك اهله وانا لصادقون فيصدقوننا ويظنون انا قد خرجنا الى سفر وكان صالح لا ينام معهم فى القرية كان يبيت فى مسجد يقال له مسجد صالح فاذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكرهم فاذا امسى خرج الى المسجد فبات فيه فانطلقوا فدخلوا الغار فسقط عليهم فقتلهم قال الله تعالى فمكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانطلق ممن قد اطلع على ذلك منهم فاذا هم رضخ فرجعوا يصيحون فى القرية اى عباد الله اما رضى صالح ان أمرهم بقتل أولادهم حتى قتلهم فاجتمع اهل القرية على قتل الناقة وقال ابن اسحق انما تقاسم التسعة على تبيت صالح بعد عقرهم الناقة كما ذكرنا
صفحة رقم 380