
قال الله (تعالى) مخبراً: ﴿(فَكَذَّبُوهُ) فَأَنجَيْنَاهُ والذين مَعَهُ﴾.
أي: من المؤمنين، من أهله، وغيرهم.
﴿وَأَغْرَقْنَا الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ﴾.
أي: جحدوا بها.
﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ﴾.
أي: عمين عن الحق.
وهو من عمى القلب.
قوله: ﴿وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً﴾ إلى: ﴿تُفْلِحُونَ﴾.
المعنى: وأرسلنا إلى عاد أخاهم هوداً، وهود من ولد نوح (عليه السلام)، بينه وبينه سبعة آباء. وكان أشبه خلق الله (تعالى) بآدم (عليه السلام)، خلا

يوسف (عليه السلام)، وكانت عاد ثلاث عشرة قبيلة، ينزلون الرمل. بلادهم أخصب بلاد، فلما سخط الله ( تعالى) عليهم جعلها مفاوز، وكانوا بنواحي عمان إلى حضرموت إلى اليمن، ولما أهلك الله ( تعالى) قومه لحق هود (عليه السلام) ومن آمن معه بمكة فلم يزالوا بها حتى ماتوا، وكان هود (عليه السلام) رجلاً تاجراً. فقال لهم: ﴿اعبدوا الله﴾، ليس لكم إله يجب أن تعبدوه غيره. ﴿أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾.
﴿قَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ﴾].
أي]: قال الأشراف والجماعة من قومه، وهم الملأ من كفار قومه،

﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾، أي: في ضلالة. وقيل: في جهل عن الحق والصواب.
﴿وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين﴾، أي: في قوله: إني ﴿رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين﴾، كان ذلك ظناً منهم ليس على يقين، فكفروا على الشك منهم. قال (لهم): ﴿ياقوم لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ﴾، أي: ضلالة، أي: جهل، ﴿ولكني رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين﴾.
وأصل السفة: رقة الحلم، والطيش. وَذُكِّرَ في قوله: ﴿لَيْسَ﴾؛ لأنه مصدر، وهو بمعنى السفه، وقد فرق، أيضاً، بينه وبين الفعل.
ثم قال لهم: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رسالات رَبِّي﴾. أي: أؤدي إليكم أمر رببي ونهيه.

﴿وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾.
اي: ناصح في ما آمركم به وأنهاكم عنه، أمين على وحي ربي ورسالاته. ثم قال موبخاً لهم: ﴿أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ على رَجُلٍ مِّنكُمْ﴾.
أي: على لسان رجل منكم.
﴿لِيُنذِرَكُمْ﴾، أمر الله. ثم قال: ﴿واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾.
أي: اذكروا نعمة الله عليكم إذ استخفلكم في الأرض، بعد قوم نوح. فاتقوا أ، يصيبكم (مثل) ما أصابهم، واذكروا نعمته إذ ﴿وَزَادَكُمْ فِي الخلق بَصْطَةً﴾، أي: زاد في أجسامكم طولاً وعظماً على أجسام قوم نوح.
وقيل: على أجسام آبائكم الذين ولدوكم.

قال زيد بن أسلم: لقد بلغني أن ضباعاً رُئِيت رابضة وأولادها في حجاج عين رجل منهم. قال: ولقد بلغني أنه كان في الزمن الأول تمضي أربع مائة سنة، وما يسمع فيه بجنازة. ثم قال: ﴿فاذكرواءَالآءَ الله﴾.
أي: نعمه عليكم.
﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
أي: لتكونوا على رجاء من الفلاح.
قال السدي: كانت عاد باليمن، بالأْحقَاف. فكانوا قد قهروا أهل الأرض بفضل قوتهم. وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها، وهي " صُدَاء "، و " صَمُود " و " اللهنا "، أسماء أصنامهم، فبعث الله ( تعالى) / إليهم هوداً، وهو من أوسطهم

نسباً، فأمرهم أن يوحدوا الله (تعالى)، ولا يجعلوا مع الله إلهاً غيره، وأن يكفروا عن ظلم الناس، لم يأمرهم بغير ذلك فأبوا (تصديقه) وكذبوه وقالوا:
﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت: ١٥]، واتبعه منهم ناس يسير مستترون بإيمانهم.
قال السدي: فبعث الله ( تعالى) عليهم الريح العقيم، فلما نظروا إليها: قالوا: ﴿هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا﴾ [الأحقاف: ٢٤]، فلما جنت منهم، نظورا إلى الإبل والرجال تطير بهم الريح بين السماء والأرض، فلما رأوها، تبادروا البيوت، فلما دخلوا البيوت، دخلت عليهم فأهلكتهم فيها، ثم أخرجتمهم من البيوت، فأصابتهم في يوم نحس مستمر عليهم العذاب ﴿سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً﴾ [الحاقة: ٧]، أي: حسمت كل شيء مرت به. فكانوا: كأعجاز نخل منقعر، أي: انقعر من أصوله، وكأعجاز نخل خاوية، أي: خوت فسقطت، فلما أهلكهم الله ( تعالى) أرسل عليهم طيراً سوداً، فنقلتهم إلى البحر