
٣- المقصود بالقرآن إنذار الكافرين والعصاة بسبب إعراضهم عنه، وتذكير المؤمنين به لأنهم المنتفعون به.
٤- الأمر العام لجميع الناس باتباع ملة الإسلام والقرآن، وإحلال حلاله، وتحريم حرامه، وامتثال أمره، واجتناب نهيه.
واتباع الرسول صلّى الله عليه وسلّم داخل في ذلك لأن الله تعالى أمرنا باتباعه وطاعته بقوله: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل ١٦/ ٤٤] فدلت الآية على وجوب اتباع الكتاب والسنة.
٥- تحريم اتباع أحد من الخلق في الدين، كما فعل أهل الكتاب في طاعة رهبانهم: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة ٩/ ٣١].
٦- ترك اتباع الآراء الشخصية أو الاجتهادية مع وجود النص الشرعي.
٧- المنع من عبادة أحد مع الله، واتخاذ من عدل عن دين الله وليا، علما بأن كل من رضي مذهبا فأهل ذلك المذهب أولياؤه.
عاقبة تكذيب الرسل في الدنيا
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤ الى ٥]
وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٥)
الإعراب:
وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها... كَمْ مبتدأ، وجملة: أَهْلَكْناها صفة لقرية.
وفَجاءَها بَأْسُنا خبر المبتدأ، ومعنى: أَهْلَكْناها: قارب إهلاكنا إياها. حتى لا يكون تكرار مع قوله: فَجاءَها بَأْسُنا. ويجوز أن تكون كَمْ في موضع نصب بفعل مقدر دل عليه: فَجاءَها بَأْسُنا، لا أهلكنا لأن أهلكنا صفة، والصفة لا تعمل في الموصوف.

وبَياتاً منصوب على المصدر في موضع الحال.
أَوْ هُمْ قائِلُونَ جملة اسمية في موضع نصب على الحال من أهل القرية.
البلاغة:
فَجاءَها على حذف مضاف تقديره: فجاء أهلها، لقوله: أَوْ هُمْ قائِلُونَ ولا حاجة لتقدير المضاف الذي هو الأهل قبل قَرْيَةٍ أو قبل الضمير في أَهْلَكْناها لأن القرية تهلك كما يهلك أهلها.
بَياتاً... وقائِلُونَ بينهما طباق.
المفردات اللغوية:
وَكَمْ اسم يفيد التكثير، وهي خبرية قَرْيَةٍ مكان اجتماع الناس، أو الناس أنفسهم أَهْلَكْناها أردنا إهلاكها أو قاربنا إهلاكها. بَأْسُنا عذابنا بَياتاً ليلا، البينات:
الإغارة على العدو ليلا، والإيقاع به على غرّة قائِلُونَ نائمون بالظهيرة، من القيلولة: وهي استراحة نصف النهار، وإن لم يكن معها نوم، أي مرة جاءها ليلا، ومرة جاءها نهارا.
دَعْواهُمْ قولهم ودعاؤهم.
المناسبة:
لما أمر الله تعالى الرسول عليه الصلاة والسلام بالإنذار والتبليغ، وأمر القوم بالقبول والاتباع، ذكر في هذه الآية ما يترتب على المخالفة من عقاب ووعيد، من طريق التذكير بإهلاك الأمم السابقة، لمخالفتهم الرسل وتكذيبهم.
التفسير والبيان:
كثير من القرى وأهلها أهلكناهم بمخالفة رسلنا وتكذيبهم، فجاءهم العذاب أو الهلاك مرة ليلا كقوم لوط، ومرة نهارا كقوم شعيب، أتاهم العذاب على غرّة أو حين القيلولة: وهي الاستراحة وسط النهار، وكلا الوقتين وقت غفلة ولهو، كما قال تعالى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ. أَوَأَمِنَ

أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى، وَهُمْ يَلْعَبُونَ
[الأعراف ٧/ ٩٧- ٩٨] وقال:
أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ، فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ، فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ
[النحل ١٦/ ٤٥- ٤٧].
فما كان قولهم عند مجيء العذاب، إلا أن اعترفوا بذنوبهم، وأنهم حقيقون بهذا، أي لم يصدقوا بشيء عند الإهلاك إلا بالإقرار بأنهم كانوا ظالمين.
قال ابن جرير: في هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قوله: «ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم».
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآية إلى الآتي:
١- إن عصيان أوامر الرسل وتكذيبهم موجب للخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة. وعذاب الدنيا يأتي في وقت الغفلة واللهو، إما ليلا أو حين القيلولة نهارا.
٢- كل مذنب حين توقيع العقاب الدنيوي عليه يعترف بجرمه، ويندم على ما فرط منه.
٣- المقصود بالآية الإنذار والتخويف والعبرة بما حل بالأمم السابقة، فيحملهم الخوف على إصلاح أمورهم، والإقلاع عن معاصيهم: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد ١٣/ ١١].
٤- الجزاء أو العقاب الإلهي في الدنيا حق وعدل ومطابق للواقع، ولا يجيء العذاب إلا بعد العصيان وإعذار الناس من أنفسهم.