آيات من القرآن الكريم

وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ

وقرأ ابن عامر ﴿يَتَذَكَّرُونَ﴾ بياء (١) وتاء ووجهه (٢) أن هذا خطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) (٣) أي: قليلاً ما يتذكر هؤلاء الذين (٤) ذكروا بهذا الخطاب (٥).
٤ - وقوله تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾ الآية.
قال أبو إسحاق: (موضع ﴿كَمْ﴾ رفع با لابتداء، وخبره ﴿أَهْلَكْنَاهَا﴾ قال: وهو أحسن من أن يكون في موضع نصب؛ لأن قولك: (زيد ضربته) أجود من (زيدًا ضربته) والنصب جيد عربي أيضًا كقوله (٦): ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: ٤٩] (٧)).
وقال أهل العربية (٨) والمعاني: (الآية من حذف (٩) المضاف لأن

(١) هنا وقع اضطراب في نسخة (ب) فوقع الكلام على هذه الآيات في ١٤٠ ب.
(٢) في (ب): (ووجه)، وهو تحريف.
(٣) في (أ): (عليه السلام).
(٤) لفظ: (الذين) ساقط من (ب).
(٥) هذا كلام أبي علي في "الحجة" ٥/ ٤ - ٦. وانظر: "معاني القراءات" ١/ ٤٠٠، و"الحجة" لابن زنجله ص ٢٧٩، و"الكشف" ١/ ٤٦٠.
(٦) والنصب في هذه الآية أجود، وهي القراءة المشهورة التي عليها الجماعة لأن الفائدة فيه أثر من فائدة الرفع لأن التقدير: خلقنا كل شيء بقدر فيدل على العموم واشتمال الخلق على جميع الأشياء. انظر: "إعراب النحاس" ١/ ٥٩٩، و"المشكل" ٢/ ٧٠١ - ٧٠٣، "البيان" ٢/ ٤٠٦.
(٧) "معاني الزجاج" ٢/ ٣١٨. وانظر: "إعراب النحاس" ٢/ ١١٤، و"المشكل" ١/ ٢٨١ - ٢٨٢. والنصب على الاشتغال بإضمار فعل يفسره ما بعده ويقدر الفعل متأخرا عن كم لأن لها صدر الكلام والتقدير: وكم من قرية أهلكنا. انظر: "الدر المصون" ٥/ ٢٤٨.
(٨) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٣١٧، و"تفسير السمرقندي" ١/ ٥٣١.
(٩) الظاهر عدم الحذف لعدم الحاجة إليه؛ لأن إهلاك القرية يمكن أن يقع عليها =

صفحة رقم 14

التقدير: وكم من أهل قرية، يدل على هذا قوله: ﴿أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ (١) فعاد بالكلام [إلى] (٢) أهل القرية).
وقوله تعالى: ﴿فَجَاءَهَا بَأْسُنَا﴾ قال الفراء: (يقال: إنما أتاها العباس (٣) من قبل الإهلاك، فكيف تقدم الهلاك؟ قيل: إن الهلاك والبأس يقعان معًا كما تقول: أعطيتني فأحسنت، فلم يكن الإحسان قبل الإعطاء ولا بعده، إنما وقعا معًا) (٤).
وقال غيره (٥): (هذا على مذهب الإرادة، والتقدير: وكم من قرية أردنا إهلاكها (٦) ﴿فَجَاءَهَا بَأْسُنَا﴾ كقوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا﴾ [المائدة: ٦]. ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ (٧)) [النحل: ٩٨].

= نفسها ولأن القرية لا تسمى بذلك إلا وفيها مساكن لأهلها وسكان منهم ففي إهلاكها إهلاك من فيها من أهلها.
أفاده الطبري في "تفسيره" ٨/ ١١٨. وقال: (هذا أولى بالحق لموافقته ظاهر التنزيل المتلو) اهـ. وهو اختيار الزمخشري في الكشف ١/ ٦٧، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ٢٦٨، والسمين في "الدر" ٥/ ٢٤٨.
(١) في (ب): (هم قائلون).
(٢) لفظ: (إلى) ساقط من (ب).
(٣) في (ب): (الناس)، وهو تصحيف.
(٤) "معاني الفراء" ١/ ٣٧١.
(٥) هذا قول مكي في "المشكل" ١/ ٢٨٢ وقال السمين في "الدر" ٥/ ٢٤٨: (والجمهور أجابوا عن ذلك بوجهين أحدهما: أنه على حذف الإرادة. والثاني: أن المعنى: أهلكناها أي: خذلناهم ولم نوِّفقهم فنشأ عن ذلك هلاكهم فعبر بالمسبب عن سببه وهو باب واسع) اهـ وانظر: "تاريخ الطبري" ١٢/ ٣٠٠ - ٣٠١.
(٦) في (ب): (هلاكها).
(٧) في النسخ: (وإذا)، وهو تحريف.

صفحة رقم 15

ومعنى ﴿فَجَاءَهَا بَأْسُنَا﴾ يريد: جاءها عذابنا. قاله ابن عباس (١).
وقوله تعالى: ﴿بَيَاتًا﴾ أي: ليلاً (٢). قال الفراء: (يقال: بات الرجل وهو يبيت بيتًا، وربما قالوا: بياتا، قال: وسمي البيت بيتًا لأنه يبات فيه) (٣).
وقال الليث: (البيتوتة دخولك في الليل، قال: ومن قال: بات فلان إذا نام فقد أخطأ) (٤).
وقال ابن كيسان: (بات يجوز أن يجرى مجرى نام وأن يجرى

(١) "تنوير المقباس" ٢/ ٨١
(٢) هذا قول الجمهور منهم أبو عبيدة في "المجاز" ١/ ٢١٠ وابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" ١٧٦، والطبري في "تفسيره" ٨/ ١١٨، والزجاج في "معانيه" ٢/ ٣١٧، والسمرقندي ١/ ٥٣١، وقال الكرماني في غرائبه ١/ ٣٩٦: (المفسرون عن آخرهم فسروا ﴿بياتا﴾ ليلاً) اهـ. وقال السمين في الدر ٥/ ٢٥٠. (قال الواحدي ﴿بياتًا﴾ أي: ليلاً. وظاهر هذه العبارة أن يكون ظرفًا لولا أن يقال: أراد تفسير معنى) اهـ.
(٣) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٤/ ٢١، وفي "تهذيب اللغة" ١/ ٢٥٠ عن الفراء قال: (باب الرجل إذا سهر الليل كله في طاعة أو معصية). قال الأزهري: (وقوله تعالى ﴿فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا﴾ أي: ليلاً، والتبييت سمي بيتا لأنه يبات فيه) اهـ. ولم أقف عليه في معاني الفراء.
(٤) "تهذيب اللغة" ١/ ٢٥٠، و"العين" ٨/ ١٣٨. وأصل البيت مأوى الإنسان بالليل، ثم يقال للمسكن: بيت من غير اعتبار الليل فيه وجمعه بيوت وهي بالمساكن أخص وأبيات وهي لأبيات الشعر، والبات والتبييت: قصد العدو ليلاً، والبيوت: ما يفعل بالليل، ويقال لكل فعل دبر فيه بالليل: بيت. انظر: "الجمهرة" ١/ ٢٥٧، و"الصحاح" ١/ ٢٤٤، و"المجمل" ١/ ١٣٩، و"المفردات" ص ١٥١، و"اللسان" ١/ ٣٩٣، (بيت).

صفحة رقم 16

مجرى كان) (١).
وقال الزجاج: (يقال (٢): بات بياتًا حسنًا وبيتة حسنة والمصدر من الأصل بات بيتًا وأصل تسمية البيت من أنه يصلح للمبيت) (٣).
وقد ذكر هذا الحرف (٤) في قوله تعالى: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ﴾ [النساء: ١٠٨] و ﴿بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨١].
وقوله تعالى: ﴿أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ (٥). قال الفراء: (وفيه واو مضمرة. المعنى: أهلكناها ﴿فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ فاستثقلوا (٦) نسقًا على أثر نسق، ولو قيل كان صوابًا).
قال ابن الأنباري: (أضمرت واو الحال لوضوح معناها؛ كما تقول العرب: لقيت عبد الله مسرعًا أو (٧) هو يركض، ولا يضرنك ظالمًا أو (٨) أنت مظلوم، يريدون (أو وأنت) فيحذفون الواو عند أمنهم اللبس؛ لأن الذكر قد عاد على صاحب الحال، ومن أجل أن (أو) حرف عطف والواو كذلك استثقلوا جمعًا بين حرفين من حروف العطف فحذفوا الثاني) (٩).

(١) "تهذيب اللغة" ١/ ٢٥٠.
(٢) لفظ: (يقال) ساقط من (أ).
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٣١٧، وانظر "الزاهر" ١/ ٤٤٣.
(٤) انظر: "البسيط" نسخة جستربتي ٢/ ١٢ ب و ٢٢ ب.
(٥) في "معاني الفراء" ٤/ ٣٧٢: ﴿بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾.
(٦) لفظ: (فاستثقلوا) ساقط من (ب).
(٧) في (ب): (إذ هو)، وهو تحريف.
(٨) في (ب): (وأنت).
(٩) ذكره السمين في "الدر" ٥/ ٢٥٢.

صفحة رقم 17

قال: (و (أو) في هذا الموضع لا يوجب الشك، لكنها دخلت للتفصيل، والتفصيل يضارع الإباحة فيقول الرجل لصاحبه: لأكرمنك منصفًا لي أو ظالمًا، لم يحمل (أو) في هذا على شك بل يُعنى بها التفصيل) (١).
وقال الزجاج: (لا يحتاج (٢) إلى ضمير الواو كما تقول: جاءني (٣) زيد راجلًا أو هو فارس لم (٤) تحتج إلى واو؛ لأن الذكر قد عاد إلى الأول، قال: و (أو) (٥) هاهنا دخلت على جهة تصرف الشيء ووقوعه إما مرة كذا، وإما مرة كذا على تقدير: جاءهم بأسنا مرة ليلاً ومرة نهارًا فاعتبروا بهلاك من شئتم منهم) (٦).
قال الليث: (القيلولة نومة نصف النهار وهي القائلة) (٧). قال الفراء: (قال الرجل يقيلُ قيلولةَ وقيلًا وقائلة ومقيلًا) (٨).

(١) لم أقف عليه.
(٢) في (ب): (لا تحتاج) بالتاء.
(٣) جاء في النسخ: (كم جاءني)، ولعله تحريف.
(٤) في "معاني الزجاج" ٢/ ٣١٧: (جاءني زيد راجلًا أو وهو فارس أو جاءني زيد وهو فارس) اهـ.
(٥) في (أ): (قال: الواو).
(٦) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٣١٨، وقوله: على تقدير إلى آخره. لم يرد فيه.
(٧) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٨٦١، وانظر: "العين" ٥/ ٢١٥ (قيل).
(٨) ذكره أبو حيان في "البحر" ٤/ ٢٦٤، وفي "اللسان" ٦/ ٣٧٩٦ قيل: (قال الليث: القيلولة نوم نصف النهار وهي القائلة، قال: يقيل، وقد قال القوم: قيلًا وقائلة وقيلولة ومقالًا ومقيلًا الأخيرة عن سيبويه) اهـ.
انظر: "الكتاب" ٤/ ٨٩، و"الجمهرة" ٢/ ٩٧٧، و"الصحاح" ٥/ ١٨٠٨، و"المجمل" ٣/ ٧٣٩، و"المفردات" ص ٦٩٠ (قبل).

صفحة رقم 18
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية