
وفي هذه الآية، دليل على ترك اتباع الآراء مع النص.
قوله: ﴿وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾ الآية.
﴿كَم﴾ في موضع رفع بالابتداء. ويجوز أن تكون في موضع نصب، بإضمار فعل يفسره: ﴿أَهْلَكْنَاهَا﴾، ولا يقدر إلا بعدها، وهو بمنزلة: أيّهم ضربته.
ومعنى الآية: أنها تحذير للكافرين، أن ينزل بهم من البأس، ما نزل بمن كان قبلهم بتكذيبهم.
ومعنى الكلام: أنه إخبار عن إهلاك القرى، والمراد أهلها؛ لأن القرى إنّما هي/

بأهلها، فإذا هلكت هلك أهلها، ودل على ذلك قوله: ﴿أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ﴾، فرجع إلى الإخبار عن الأهل.
وقيل المعنى: وكم من أهل قرية.
وقوله: ﴿أَهْلَكْنَاهَا﴾، ثم قال: ﴿جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ﴾ [الأعراف: ٥]، إنما معناه أردنا إهلاكها، فجاءها البأس.

وقيل المعنى: ﴿أَهْلَكْنَاهَا﴾ بمنعنا إياها التوفيق إلى الطاعة، فجاءها البأس.
وقيل: إن الهلاك هو البأس بعينه، ففي كل واحد معنى الآخر، وسواء بدأ بالبأس أو بالهلاك، وهو كقولك: " زرتني فأكرمتني "، إذا كانت " الزيارة " هي " الكرامة "، فسواء عليك ما قدمت أو أخرت.
وقيل: الفاء هنا بمعنى الواو فلا يلزم الترتيب.
و ﴿أَوْ﴾ هنا للإباحة.
وكان يجب أن يقول: أَوْ وهم قائلون، إلا أنه إذا كان في الجملة عائد لم يُحْتَج

إلى الواو.
وقد قال الفراء: " الواو " محذوفة.
وقال غيره: حذفت " الواو " لئلا تجمع بين حرفي العطف، وهي: " واو الوقت " عند بعض النحويين.
ولو جعل مكان ﴿أَوْ﴾ " الواو " لفسد المعنى؛ لأنه يصير المعنى: أن البأس جاءهم في الليل، وهم قائلون، وهذا لا يمكن؛ لأن القائلة إنما هي نصف النهار، والبيات فعل في الليل.