
هذه الآية تنبيه لنا بأن الشيطان عدو الإنسان، فيجب التنبه لمخاطره وتذكر عهد الله وميثاقه بأن نعبده وحده لا شريك له، ونزكي النفس بالأخلاق الكريمة والآداب الحميدة، وتهذيب الطباع، لنحقق السعادة الأبدية في الآخرة، ونؤدي الرسالة في هذه الحياة على الوجه الأكمل.
تقليد الآباء وتشريع الله
ليس التشريع العام للمجتمع أمرا سهلا لأن به قوام المجتمعات وحياة الأمم والشعوب، فإذا كان التشريع سديدا صالحا، صلحت الجماعة وإذا كان التشريع هشا بدائيا، فسدت الجماعة وانحدرت. لذا كان مصدر التشريع في الإسلام هو الله عز وجل، من أجل إسعاد الفرد والجماعة، أما عرب الجاهلية المشركون فكانوا يعتمدون في تشريعاتهم وتنظيماتهم على تقليد الآباء والأجداد، وتوارث الأنظمة دون تجديد ولا تصحيح ولا إدراك للخطأ.
ونجد في القرآن الكريم بيانا للفرق بين تشريع الجاهلية وتشريع الإسلام، قال الله تعالى:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٢٨ الى ٣٠]
وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠)
«١» «٢» »
«٤» [الأعراف: ٧/ ٢٨- ٣٠].
(٢) بالعدل.
(٣) توجهوا لعبادته.
(٤) في وقت كل سجود ومكانه.

وبّخ الله تعالى المشركين على ارتكابهم الفاحشة: وهي الفعلة المتناهية في القبح، والمراد بها طوافهم حول البيت الحرام عرايا رجالا ونساء، وملازمتهم لعقيدة الشرك والوثنية. وإذا عوتبوا في ذلك قالوا: نحن في هذا مقلدون للآباء، متبعون للأسلاف، وتوهموا أن ما يفعلونه طاعات، وأن الله أمرهم بها، مع أن تلك الأمور فواحش.
وهذا أبطل الباطلات، وقل لهم أيها النبي: إن الله لا يأمر بالفحشاء أصلا، وإنما الذي يأمركم بذلك هو الشيطان.
وأما تقليد الآباء والأجداد فهو عمل ظاهر الفساد لأن لكل إنسان عقلا ووعيا يميز بين الصحيح والخطأ، والهدى والضلال، وليس الآباء حجة في التشريع، ولا طريقهم أو منهجهم بمنأى عن الخطأ، والتقليد في الأوضاع الفاسدة إلغاء للذات الإنسانية، وإهدار للفكر والعقل البشري الذي منحه الله تعالى للإنسان ليميز به بين الخطأ والصواب.
وإذا أخطأ العقل، وجد في الهداية الإلهية أو الوحي الرباني عاصما عن الخطأ، ومرشدا إلى الصواب، وموجها إلى الحق والحقيقة.
فإن الله لا يأمر إلا بالعدل والاستقامة والتوسط في الأمور، ومن أوامره: إيفاء العبادة حقها، والتوجه بكامل القلب وصحة القصد إلى الله وحده دون غيره عند كل صلاة، وأداء العبادة في وقتها، والإخلاص لله في العبادة من غير مراءاة ولا سمعة، ولا إشراك أحد مع الله، فإنه سبحانه وتعالى لا يتقبل عملا من الأعمال إلا إذا توافر فيه ركنان:
الركن الأول: أن يكون صوابا موافقا للشريعة، والركن الثاني: أن يكون خالصا من الشرك بإدخال أحد من المخلوقات البشرية أو السماوية أو الأصنام شريكا في قصد العبادة والتعظيم. إن إخلاص الدين لله تعالى هو جوهر العبادة، لأن مصائر

الخلائق جميعا إلى الله تعالى، كما أنشأ هذه المخلوقات من العدم ابتداء يعيدها مرة أخرى، فيجازي كل إنسان على عمله، وهذا في ميزان العقل والمصلحة يتطلب إخلاص العبادة لله.
وعند العودة إلى الله وحال البعث والحساب الناس فريقان: فريق هداه الله ووفقه للعبادة والإيمان والإخلاص، وهم المؤمنون المسلمون الخاضعون المنقادون لله وأوامره، وفريق الضلالة الذين استوجبوا العذاب بسوء صنيعهم واختيارهم، واتباعهم وسواس الشيطان، إن هذا الفريق هم الذين اتخذوا الشياطين أنصارا وأعوانا من دون الله، فقبلوا ما دعوهم إليه، ولم يميزوا بين الحق والباطل، ويظنون أنهم سائرون على درب الهداية والصواب، مع أنهم هم الأخسرون أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. وهذا من فساد الرأي وسوء الفكر وضعف العقل، فإن الحق أحق أن يتبع، وإن من الحماقة والبلاهة أن يخطئ الإنسان ويزعم أنه على حق وسداد وهدى.
إباحة الزّينة والطّيّبات
إن الإسلام دين الوسطية والواقعية والاعتدال، فلا يمنع النافع الموافق للطباع السليمة، والملائم للأعراف الصحيحة، والمنسجم مع مقتضيات الصحة والقوة، والمدنية والحضارة. وإنما الذي يمنعه الإسلام هو الضّار أو الشيء القبيح الذي يؤذي النفوس، ويناقض المصلحة، ويسيء إلى الفرد والجماعة. وهذا هو منهاج القرآن الكريم الذي يبيح الزّينة وهي الثياب الساترة، والمطعومات والمشروبات النافعة. قال الله تعالى: