آيات من القرآن الكريم

قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ

بعقوبتك إيانا عليه (١) ="وترحمنا"، بتعطفك علينا، وتركك أخذنا به (٢) = (لنكونن من الخاسرين)، يعني: لنكونن من الهالكين.
* * *
وقد بيَّنا معنى"الخاسر" فيما مضى بشواهده، والرواية فيه، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (٣)
* * *
١٤٤١١- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: قال آدم عليه السلام: يا رب، أرأيتَ إن تبتُ واستغفرتك؟ قال: إذًا أدخلك الجنة. وأما إبليس فلم يسأله التوبة، وسأل النَّظِرة، فأعطى كلَّ واحد منهما ما سأل.
١٤٤١٢- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا)، الآية، قال: هي الكلمات التي تلقَّاها آدم من ربه.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٢٤) ﴾
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن فعله بإبليس وذريته، وآدم وولده، والحية.
يقول تعالى ذكره لآدم وحواء وإبليس والحية: اهبطوا من السماء إلى الأرض، بعضكم لبعض عدوّ، كما:-

(١) انظر تفسير ((المغفرة)) فيما سلف من فهارس اللغة (غفر).
(٢) انظر تفسير ((الرحمة)) فيما سلف من فهارس اللغة (رحم).
(٣) انظر تفسير ((الخسارة)) فيما سلف ص: ٣١٥، تعليق: ١، والمراجع هناك.

صفحة رقم 357

١٤٤١٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن طلحة، عن أسباط، عن السدي: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو)، قال: فلعنَ الحية، وقطع قوائمها، وتركها تمشي على بطنها، وجعل رزقها من التراب، وأهبطوا إلى الأرض: آدم، وحواء، وإبليس، والحية. (١)
١٤٤١٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي عوانة، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو)، قال: آدم، وحواء، والحية. (٢)
* * *
وقوله: (ولكم في الأرض مستقر)، (٣) يقول: ولكم، يا آدم وحواء، وإبليس والحية = في الأرض قرارٌ تستقرونه، وفراش تمتهدونه، (٤) كما:-
١٤٤١٥- حدثني المثنى قال، حدثنا آدم العسقلاني قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: (ولكم في الأرض مستقر)، قال: هو قوله: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا)، [سورة البقرة: ٢٢]. (٥)
* * *
وروي عن ابن عباس في ذلك، ما:-
١٤٤١٦- حدثت عن عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس قوله: (ولكم في الأرض مستقر)، قال: القبور. (٦)
* * *

(١) الأثر: ١٤٤١٣ - ((عمرو بن طلحة))، هو ((عمرو بن حماد بن طلحة القناد))، منسوبًا إلى جده. وقد مضى مئات من المرات في هذا الإسناد وغيره، ((عمرو بن حماد، عن أسباط)). وقد سلف برقم: ٧٥٥.
(٢) الأثر: ١٤٤١٤ - مضى برقم: ٧٥٤.
(٣) انظر تفسير نظيرة هذه الآية فيما سلف ١: ٥٣٥ - ٥٤١.
(٤) انظر تفسير ((مستقر)) فيما سلف ١: ٥٣٩ /١١: ٤٣٤، ٥٦٢ - ٥٧٢.
(٥) الأثر: ١٤٤١٥ - مضى برقم: ٧٦٥. وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا: ((هو الذي جعل... ))، بزيادة ((هو))، وهو سبق قلم من الناسخ.
(٦) الأثر: ١٤٤١٦ - انظر ما سلف رقم: ٧٦٧، بغير هذا الإسناد.

صفحة رقم 358

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبرَ آدم وحواءَ وإبليس والحية، إذ أهبطوا إلى الأرض: أنهم عدوٌّ بعضهم لبعض، وأن لهم فيها مستقرًّا يستقرون فيه، ولم يخصصها بأن لهم فيها مستقرًّا في حال حياتهم دون حال موتهم، بل عمَّ الخبرَ عنها بأن لهم فيها مستقرًّا، فذلك على عمومه، كما عمّ خبرُ الله، ولهم فيها مستقر في حياتهم على ظهرها، وبعد وفاتهم في بطنها، كما قال جل ثناؤه: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا)، [سورة المرسلات: ٢٥-٢٦].
* * *
وأما قوله: (ومتاع إلى حين)، فإنه يقول جل ثناؤه:"ولكم فيها متاع"، تستمتعون به إلى انقطاع الدنيا، (١) وذلك هو الحين الذي ذكره، كما:-
١٤٤١٧- حدثت عن عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس: (ومتاع إلى حين)، قال: إلى يوم القيامة وإلى انقطاع الدنيا.
* * *
و"الحين" نفسه: الوقت، غير أنه مجهول القدر (٢)، يدل على ذلك قول الشاعر: (٣)

وَمَا مِرَاحُكَ بَعْدَ الْحِلْمِ وَالدِّينِ وَقَدْ عَلاكَ مَشِيبٌ حِينَ لا حِينِ (٤)
أي وقت لا وقت.
(١) انظر تفسير ((المتاع)) فيما سلف ١: ٥٣٩ - ٥٤١ /١١: ٧١، تعليق: ٢. والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير ((الحين)) فيما سلف ١: ٥٤٠، ولم يذكر هذا هناك في تفسير نظيرة هذه الآية.
(٣) هو جرير.
(٤) ديوانه: ٥٨٦، وسيبويه ١: ٣٥٨، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢١٢، والخزانة ٢: ٩٤، وغيرها. مطلع قصيدة في هجاء الفرزدق، ورواية الديوان، وسيبويه: * ما بالُ جَهْلِكَ بَعْدَ الْحِلْمِ والدِّينِ *
وبعده: إِنَّي لأَرْهَبُ تَصْدِيقَ الْوُشَاةِ بِنَا... أَوْ أَنْ يَقُولَ غَوِىٌّ للنَّوَى: بِينِي
لِلْغَانِيَاتِ وِصَالٌ لَسْتُ قَاطِعَهُ عَلَى مَوَعدِهَ مِنْ خُلْفٍ وَتَلْوِينِ
و ((المراح)) (بكسر الميم) : المرح والاختيال والتبختر، وذلك من جنون الشاباب واعتداده بنفسه. وكأن رواية الديوان هي الجودي.
وأنشده سيبويه شاهدًا على إلغاء ((لا)) وإضافة ((حين)) الأولى إلى ((حين)) الثانية، قال: فإنما هو حين حين، و ((لا)) بمنزلة ((ما)) إذا ألغيت.
وهذا الذي ذكر أبو جعفر هو أبي عبيدة في مجاز القرآن ١: ٢١٢، وجاء بالبيت كما رواه هنا، وان كان في مطبوعة مجاز القرآن: ((وما مزاحك)) بالزاي، وهو خطأ مطبعي فيما أظن.

صفحة رقم 359
جامع البيان في تأويل آي القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري
تحقيق
أحمد شاكر
الناشر
مؤسسة الرسالة
الطبعة
الأولى، 1420 ه - 2000 م
عدد الأجزاء
24
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية