
اتباع القرآن الكريم
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المص (١) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٣)الإعراب:
كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ كِتابٌ إما خبر المص على قول من جعله مبتدأ، أي أنا الله أفصل، وإما خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هذا كتاب، والثاني أولى.
لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ اللام متعلقة بأنزل، وتقديره: كتاب أنزل إليك لتنذر به، وفصل بينهما بقوله: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ. وَذِكْرى إما مرفوع عطفا على كِتابٌ، أو خبر مبتدأ تقديره: هذه ذكرى وإما منصوب عطفا على موضع لِتُنْذِرَ بِهِ أي إنذارا وذكرى، أو عطفا على موضع هاء بِهِ وإما مجرور عطفا على لِتُنْذِرَ بمعنى:
للإنذار والذكرى.
قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ قَلِيلًا منصوب بفعل تَذَكَّرُونَ، وما زائدة، وتقدير النصب من وجهين: إما لأنه صفة لمصدر محذوف تقديره: تذكرون تذكرا قليلا، أو لأنه صفة لظرف زمان محذوف، تقديره: زمانا قليلا.
البلاغة:
حَرَجٌ مِنْهُ أي ضيق من تبليغه، ففيه حذف مضاف.
مِنْ رَبِّكُمْ وصف الربوبية مع الإضافة لضمير المخاطبين فيه إشعار بمزيد اللطف بهم، وترغيب في امتثال الأوامر.
المفردات اللغوية:
المص تقرأ كما تقرأ الحروف الأبجدية، أي ألف، لام، ميم، صاد، وقد ذكرت في أول سورة البقرة ومثلها آل عمران: أن هذه الحروف المقطعة يراد من افتتاح السور بها الإشارة إلى أن القرآن الكريم مركب من هذه الحروف العربية وأمثالها، فهل يستطيع العرب المعروفون بالفصاحة صفحة رقم 136

والبلاغة الإتيان بمثله، وبما أنهم قد عجزوا، فيدل ذلك على أنه كلام الله، فحكمتها بيان إعجاز القرآن، وتنبيه السامع إلى ما سيلقى إليه من أحكام.
والغالب أن السور التي بدئت بها وبذكر الكتاب مثل: «مريم والعنكبوت والروم وص ون» هي سور مكية لدعوة المشركين إلى الإسلام وإثبات النبوة والوحي. وأما السور المدنية التي بدئت بها كالبقرة وآل عمران (الزهراوين) فالدعوة فيها موجهة إلى أهل الكتاب.
حَرَجٌ ضيق مِنْهُ من تبليغه، مخافة أن يكذبك الناس لِتُنْذِرَ متعلق بأنزل أي للإنذار به وَذِكْرى تذكرة نافعة وموعظة حسنة مؤثرة. قَلِيلًا ما ما حرف يؤكد معنى القلة تَذَكَّرُونَ أصله: تتذكرون.
التفسير والبيان:
بدأ الله تعالى هذه السورة المكية بالحروف الأبجدية المقطعة كغيرها من السور التي نزلت بمكة لإثبات النبوة والوحي.
هذا القرآن كتاب عظيم الشأن، أنزل إليك يا محمد من عند ربك، بقصد الهداية والخير، ووصفه بالإنزال للدلالة على عظيم قدره وقدر من أنزل عليه. فلا يكن في صدرك ضيق من الإنذار به وتبليغه للناس، وتذكير أهل الإيمان به ذكرى تنفعهم وتؤثر فيهم.
ومن المعلوم أن كل نبي ومصلح يلقى عادة إيذاء ومقاومة لدعوته، وصدودا وإعراضا عن رسالته، وما على الداعية إلا الصبر والمثابرة ومتابعة الطريق:
فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف ٤٦/ ٣٥]. لذا كان المراد من هذا النهي شد العزيمة والاجتهاد في مقاومة الصعاب، وتحمل الشدائد، انتظارا لما عند الله على ذلك من وعد بالخير والفضل.
وبما أن هذا الكتاب ذو مهام خطيرة، فقد خاطب الله تعالى العالم بقوله:
اتبعوا أيها الناس ما أنزل إليكم من ربكم رب كل شيء ومليكه وخالقه ومدبره وراعيه، فهو وحده صاحب الحق في التشريع وفرض العبادات والتحليل

والتحريم لأنه العليم بما هو مصلحة، الخبير بما هو مضرة لكم، فلا يشرع إلا الخير والسداد.
ولا تتبعوا من دون الله أولياء، كأنفسكم أو الشياطين التي توسوس لكم بما فيه الضرر والخطر، والضلال والفساد، والشر والسوء، والإيهام بأن الأصنام شركاء ذات تأثير عند الله، مع أنها أحجار لا تضر ولا تنفع، أي لا تخرجوا عما جاءكم به الرسول إلى غيره، فتكونوا قد عدلتم عن الحق إلى الضلال، وعن حكم الله إلى حكم الشيطان والأهواء. ولكنكم تتذكرون قليلا، وتنسون الواجب عليكم نحو ربكم، وهذا مثل قوله تعالى: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف ١٢/ ١٠٣].
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- القرآن كلام الله المنزل على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم، والعقل يشهد بأن هذا لا يكون إلا بطريق الوحي من عند الله تعالى لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أمي لا يقرأ ولا يكتب ولأنه كلام معجز لا يصدر عن بشر ولأن الأحداث ومرور الأزمنة تثبت تفوقه وصلاحه لكل الأوقات، وهذا لا يمكن أن يتصف به تشريع وضعي.
٢- واجب النبي صلّى الله عليه وسلّم وسائر الأنبياء تبليغ الوحي المنزل، وأما النتائج والآثار وانتصار الدعوات الإلهية فمردها إلى الله تعالى. وقد سرّى الله عن نبيه فنهاه عن أن يضيق صدره لعدم الإيمان به، فإنما عليه البلاغ، وليس عليه سوى الإنذار به، من شيء من إيمانهم أو كفرهم، كقوله تعالى: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ [الكهف ١٨/ ٦] وقوله: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء ٢٦/ ٣].