
البصير، العليم الخبير، الناصر القادر، النافع من يعبده، الضار من يعصيه، الهادي إلى الرشاد، المنقذ من الردى، المجيب المضطر إذا دعاه، وهو الله العلي القدير.
حقيقة المعبودات من دون الله
إذا انحدر العقل البشري لازمه السخف والسطحية، والبلاهة والسخرية، وليس هناك أشد انحدارا للعقل من عبادة الأصنام والأوثان المخلوقة المحدثة، التي هي جمادات وأجسام وأجرام، لا تنفع ولا تضر، فهي متعبدة، أي متملكة، مملوكة غير مالكة. وهكذا كان شأن الأقوام البدائيين لا يجدون أمامهم سوى هذه الأحجار، فعظموها وعبدوها من دون الله، فكانوا أسوأ مثل لانحدار الفكر وانحطاط الكرامة الإنسانية، قال الله تعالى واصفا صنيع هؤلاء البدائيين:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٩٤ الى ١٩٨]
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٩٤) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (١٩٥) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (١٩٦) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٧) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (١٩٨)
«١» «٢» [الأعراف: ٧/ ١٩٤- ١٩٨].
أراد الله سبحانه بهذه الآيات وأمثالها إثبات التوحيد وإبطال الشرك، من طريق كشف حقيقة الأصنام والأوثان ونحوها من المعبودات من دون الله، وإظهار تحقير شأنها ونفي مماثلتها للبشر، بل هم أقل وأحقر، إذ هم جمادات لا تفهم ولا تعقل.
(٢) لفقد قدرتهم على الإبصار.

والمعنى: إن تلك الأصنام التي تعبدونها أيها المشركون وتسمونها آلهة من دون الله، وتدعونها لدفع الضر أو جلب النفع هم عباد متعبدون، أي متملكون، يشبهون عبّادهم في كونهم مخلوقات مملوكين لله أمثالهم، وهم خاضعون لإرادته وقدرته، بل الناس العابدون أكمل منهم لأنهم يسمعون ويبصرون ويبطشون، وتلك المعبودات لا تفعل شيئا، فكيف يصح عقلا تقديسها وعبادتها من مخلوق مثلها، بل أسمى وأكمل منها، وليجربوها، فإن دعوها أو طلبوا منها شيئا، لا تستطيع الإجابة، إن كانوا صادقين في تأليهها، واستحقاقها العبادة، والتماس النفع أو الضر منها.
إن أبسط التجارب تدر على رفض مطلق لعبادة الأصنام، مما يوجب البحث عن المعبود الصحيح، ولا معبود يستحق العبادة سوى الله الرب الخالق الذي خضعت له جميع الكائنات، ودانت له الموجودات.
ألهذه الأصنام أرجل يمشون بها، أم أيد يبطشون بها، أم أعين يبصرون بها، أم آذان يسمعون بها؟ والغرض من ذلك: ألهم حواس الحي وأوصافه؟! إنهم حجارة صماء أو طين وماء أو عجوة وحلاوة كصنم بني حنيفة. ومزيدا في التحدي والاختبار العملي قل: يا محمد الرسول لهؤلاء الوثنيين: نادوا شركاءكم وآلهتكم من دون الله، واستنصروا بها علي، وتعاونوا معها على كيدي وإضراري دون تأخير ولا إمهال، أنتم وشركاؤكم، فلا أبالي بكم.
ووصفت الأصنام بأنها عباد، وأشير إليها بضمير العقلاء في قوله: فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ وقوله: إِنَّ الَّذِينَ ولم يقل: التي، مع أنها جمادات غير عاقلة، إنزالا لها منزلة العقلاء بحسب اعتقاد المشركين.
ثم أعلن النبي صلّى الله عليه وسلّم ثقته الكاملة بالله تعالى وتحقير هذه المعبودات، مع قلة الأعوان والنصراء في مكة، فقال بأمر ربه: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ أي إن الله حسبي وكافيني، وهو

عوني ونصيري، ومتولي أمري في الدنيا والآخرة، عليه اتكالي، وإليه ألجأ، وهو سبحانه الذي نزّل علي تدريجا القرآن الذي يدعو إلى التوحيد، وينبذ الشرك، وأعزني برسالته، وهو الذي يتولى كل صالح بعدي. وهو كل من صلحت عقيدته، وسلمت من الخرافات والأوهام، وصلحت أعماله.
ثم أكد الله تعالى خيبة الأصنام في تحقيق النصر، فالذين تدعون من دون الله وتعبدونهم وتطلبون منهم نصركم ودفع الضر عنكم، إنهم عاجزون، لا يستطيعون نصركم، ولا نصر أنفسهم ضد من يحتقرهم أو يسلبهم شيئا، أو يريدهم بسوء.
وكما أن تلك الأصنام عاجزة عن النصر هي عاجزة أيضا من باب أولى عن الإرشاد والهداية، فإن تدعوا هذه الأصنام إلى أن يهدوكم إلى سواء السبيل وتحقيق النصر، لا يسمعوا دعاءكم، فضلا عن المساعدة والإمداد، وتراهم أيها المخاطب الناظر إليهم يقابلونك بعيون مصورة صناعية من زجاج أو خزف أو فيروز أو عقيق، وهم جماد لا يبصرون شيئا، ولا يدركون المرئيات، لأن لهم صورة الأعين لا حقيقتها، فلا يرون شيئا، وهم فاقدو السمع والبصر.
أصول الأخلاق في الإسلام
لا تصلح حياة اجتماعية ولا تقوم مدنية ولا حضارة بغير أخلاق قويمة، وآداب سليمة، لذا اقترنت رسالات السماء والكتب الإلهية بالدعوة إلى الأخلاق النبيلة والقيم الإنسانية السوية، لأن الإنسان جسد وروح، وغذاء الروح واستدرار العواطف وصلاح البشر بالأخلاق، والخلق يلازم العقيدة، وهو دعوة الدين. وقد أمر القرآن الكريم بمجموعة من القيم والأخلاق، هذه أصولها وأسس المعاملة الحسنة، في قوله تعالى: