آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ

معناه: إن تركبوا ركبنا، وإن تنزلوا نزلنا، فأجاب الشرطين وهما فعلان بخبرين اسمين؛ لأن فيهما دليلًا على الفعل المضمر) (١).
١٩٤ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ (٢). قال المفسرون (٣): (يعني: الأصنام)، وقال عطاء عن ابن عباس: (يريد: الملائكة) (٤)، وهذا القول ضعيف من جهتين أحدهما: إن المشركين في ذلك الوقت كانوا يعبدون الأصنام لا الملائكة، ولأنه قال بعد هذه الآية ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا﴾ الآية [الأعراف: ١٩٥]. فدلت هذه أنه يريد الأصنام التي هي جماد لا توصف بالأيدي الباطشة والأرجل الماشية (٥)، وقد مضى القول في أن الأصنام لما جمعت جمع ما يعقل في قوله: ﴿وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ [الأعراف: ١٩١].
ومعنى الدعاء المذكور هاهنا يحتمل أن يكون العبادة، ويحتمل أن يكون التسمية، كأنه قيل: إن الذين تدعون آلهة من دون الله، ومعنى ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ غير الله.

(١) لم أقف عليه.
(٢) في (أ): (يدعون) بالياء والمشهور بالتاء، وذكر ابن خالويه في "الشواذ" ص ٤٨، أنه قرئ بالياء.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ٩/ ١٥١، و"معاني النحاس" ٣/ ١١٧، والسمرقندي ١/ ٥٨٩، والثعلبي ٦/ ٣١ أ.
(٤) لم أقف عليه، وحكاه البغوي ٣/ ٣١٥، والخازن ٢/ ٣٢٦ عن مقاتل، وقالا: (والأول أصح) اهـ.
وفي "تفسير مقاتل" ٢/ ٨١ قال: (يعني: تعبدون ﴿دُونِ الله﴾ من الآلهة ﴿إنهم عباد أمثالكم﴾ وليسوا بآلهة).
(٥) انظر: "البحر" ٤/ ٤٤٣ - ٤٤٤.

صفحة رقم 528

وقوله: ﴿عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾. قال الكلبي: (مملوكون أمثالكم) (١)، وقال الأخفش: (﴿عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ في التسخير) (٢) فعلى هذا معنى ﴿عِبَادٌ﴾ أي: مسخرون مذللون لأمر الله، ومنه سمي الرقيق عبدًا؛ لأنه مسخر بذلك، وقال قطرب: (مخلوقة أمثالكم) (٣). فأما وصفها بأنهم ﴿عِبَادٌ﴾ وهي موات كالحائط والباب والثوب، فقال أبو بكر بن الأنباري: (الأصنام وإن كانت (٤) مواتًا تجري مجرى الباب والثوب والحائط في أنها غير حيوان، فإن المشركين لما ادعوا أنها تعقل وتميز، وتضر وتنفع أجريت مجرى الناس، ولذلك قال: ﴿فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا﴾، ولم يقل: فادعوهن فليستجبن، ولهذا أيضاً قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ﴾ ولم يقل: التي)، وقد سبق (٥) بيان هذا، (فإذا صيرت الأصنام كالناس فأوقع عليها ﴿الَّذِينَ﴾ وقيل في جمعها: فليفعلوا صلح أن يقال لها (٦) ﴿عِبَادٌ﴾، وامتنع ذلك في الأبواب والحيطان والثياب، إذ كانت هذه الأنواع (٧) ما وصفت قط بما يوصف به الناس من العقل والتمييز) (٨).
وقوله تعالى: ﴿فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ﴾. قال ابن عباس: (يريد:

(١) "تنوير المقباس" ٢/ ١٤٨، وذكره الواحدي في "الوسيط" ٢/ ٢٨٥، وهو قول الطبري ٩/ ١٥١، والسمرقندي ١/ ٥٨٩، والبغوي ٣/ ٣١٥.
(٢) ذكره الواحدي في "الوسيط" ٢/ ٢٨٥، ولم أقف عليه عند غيره.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) في (ب): (كان).
(٥) لم أقف عليه.
(٦) لفظ: (لها) ساقط من (ب).
(٧) في (أ): (الأبواب)، وهو تحريف.
(٨) لم أقف عليه. وانظر: "تفسير الرازي" ١٥/ ٩٢.

صفحة رقم 529

فاعبدوهم هل يثيبونكم (١) أو يجازونكم) (٢).
وقال أهل المعاني: (معنى هذا الدعاء: طلب المنافع وكشف المضار من جهتهم، وذلك ما يُئِس منه من قبلهم، وعبادة من هذه صفته جهل وسخف، واللام في: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا﴾ لام الأمر على معنى التعجيز، وهو طلب الفعل إن أمكن) (٣).
وقوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. أي: إن صدقتم أن لكم عند الأصنام منفعة أو ثوابًا أو شفاعة أو نصرة، قاله ابن عباس (٤)، وسلك صاحب النظم في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ طريقة أخرى؛ فقال: (تأويل قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ﴾ ﴿إِنَّ﴾ على استفهام، وفي الاستفهام طرف من الإنكار كقوله: ﴿أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا﴾ [التغابن: ٦] إلا أنه استثقل همزتان فاقتصر على إحداهما، وقد تستفهم العرب بغير الألف، قال الله تعالى: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ﴾ [الشعراء: ٢٢] بمعنى: أو تلك على الإنكار، ولا يجوز أن يكون هذا خبرًا؛ لأن تعبيده بني إسرائيل لم يكن منّة عليه، ومثله قول الشاعر (٥):

أفرح أن أرزأ الكرام وأن أورث ذودًا شصائصًا نبلا
أراد: أأفرح لأنه ينتفي من ذلك، ولا يرضى أن يقال له ذلك، وإنما
(١) في (ب): "يثبتونكم".
(٢) "تنوير المقباس" ٢/ ١٤٨، وذكره الواحدي في "الوسيط" ٢/ ٢٨٥، والبغوي ٣/ ٣١٥، والقرطبي ٧/ ٣٤٢.
(٣) انظر: "تفسير الرازي" ١٥/ ٩٢.
(٤) ذكره البغوي ٣/ ٥١٥ بلفظ: (﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ إن لكم عندها منفعة). وذكره الواحدي في "الوسيط" ٢/ ٢٨٥ بلا نسبة.
(٥) الشاهد لحضرمي بن عامر الأسدي، وقد سبق.

صفحة رقم 530
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية