
يصدِّقون، إن لم يصدقوا بهذا الكتاب الذي جاءهم به محمد ﷺ من عند الله تعالى؟ (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٨٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن إعراض هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا، التاركي النظر في حجج الله والفكر فيها، لإضلال الله إياهم، ولو هداهم الله لاعتبرُوا وتدبَّروا فأبصروا رُشْدهم; ولكن الله أضلَّهم، فلا يبصرون رشدًا ولا يهتدون سبيلا ومن أضلَّه عن الرشاد فلا هادي له إليه، ولكن الله يدعهم في تَمَاديهم في كفرهم، وتمرُّدهم في شركهم، يترددون، ليستوجبوا الغايةَ التي كتبها الله لهم من عُقوبته وأليم نَكاله. (٢)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: (يسألونك عن الساعة). فقال بعضهم: عني بذلك قومُ رسول الله ﷺ من قريش،
(٢) انظر تفسير ((الضلال)) و ((الهدى)) فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل)، (هدى) = تفسير ((يذر)) فيما سلف ص: ٣٦، تعليق: ٢، والمراجع هناك. = تفسير ((الطغيان)) فيما سلف ص ١٢: ٤٦، تعليق: ٢، والمراجع هناك. = تفسير ((العمه)) فيما سلف ١: ٣٠٩ - ٣١١ / ١٢: ٤٦.

وكانوا سألوا عن ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:
١٥٤٦٢ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: إنّ بيننا وبينك قرابة، فأسِرَّ إلينا متى الساعة! فقال الله: (يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا). (١)
* * *
وقال آخرون: بل عُني به قوم من اليهود.
* ذكر من قال ذلك:
١٥٤٦٣ - حدثنا أبو كريب قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال: حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: قال جَبَل بن أبي قشير، وشمول بن زيد، لرسول الله ﷺ (٢) يا محمد، أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيًّا كما تقول، فإنا نعلم متى هي؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي)، إلى قوله: (ولكن أكثر الناس لا يعلمون). (٣)
١٥٤٦٤ - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن طارق بن شهاب قال: كان النبي ﷺ لا يزال يذكُر من شأن الساعة حتى نزلت: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها). (٤)
* * *
(٢) في المطبوعة: ((حمل بن أبي قشير))، وهي في المخطوطة كما أثبتها غير منقوطة. والصواب أيضاً في سيرة ابن هشام ٢: ١٦٢، ٢١٨، وكتب هناك: ((شمويل))، وهما سواء، وفي المطبوعة هنا ((سمول)) غير منقوطة كما في المخطوطة.
(٣) الأثر: ١٥٤٦٣ - سيرة ابن هشام ٢: ٢١٨، وهو تابع الأثر السالف رقم: ١٢٢١٦.
(٤) الأثر: ١٥٤٦٤ - ((إسماعيل بن أبي خالد الأحمسى)) ثقة ثبت، مضى برقم: ٥٦٩٤، ٥٧٧٧، ١٢٢٨٠. و ((طارق بن شهاب الأحمسى))، رأي النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه مرسلا، مضى مرارًا، رقم: ٩٧٤٤، ١١٦٨٢، ١٢٠٧٣، ١٢٠٧٥، ١٢٠٨٥. وكان في المطبوعة والمخطوطة: ((مخارق بن شهاب))، وهو خطأ صرف، صوابه من ابن كثير. وهذا الخبر ساقه ابن كثير في تفسيره ٣: ٦٠٩، وقال: ((ورواه النسائي من حديث عيسى بن يونس، عن إسماعيل بن أبي خالد، به. وهذا إسناد جيد قوي)).

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن قومًا سألوا رسول الله ﷺ عن الساعة، فأنزل الله هذه الآية = وجائز أن يكون كانوا من قريش = وجائز أن يكونوا كانوا (١) من اليهود; ولا خبر بذلك عندنا يجوِّز قَطْعَ القول على أيّ ذلك كان.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذاً: يسألك القومُ الذين يسألونك عن الساعة (أيان مرساها) ؟ يقول: متى قيامها؟
* * *
ومعنى "أيان": متى، في كلام العرب، ومنه قول الراجز: (٢) أَيَّانَ تَقْضِي حَاجَتِي أَيَّانَا أَمَا تَرَى لِنُجْحِهَا إِبَّانَا (٣)
* * *
ومعنى قوله: (مرساها)، قيامها، من قول القائل: "أرساها الله فهي مُرْسَاة"، و"أرساها القوم"، إذا حبسوها، و"رسَت هي، ترسُو رُسُوًّا".
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٥٤٦٥ - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال:
(٢) لم أعرف قائله.
(٣) مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢٣٤، اللسان (أبن). و ((إبان الشيء))، زمنه ووقته الذي يصلح فيه، أو يكون فيه.

حدثنا أسباط، عن السدي: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها)، : يقول متى قيامها.
* * *
١٥٤٦٦- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها)، : متى قيامها؟
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: مُنتهاها =وذلك قريب المعنى من معنى مَن قال: معناه: "قيامها"، لأن انتهاءها، بلوغها وقتها. وقد بينا أن أصل ذلك: الحبس والوقوف.
* ذكر من قال ذلك:
١٥٤٦٧ - حدثنا المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها)، يعني: منتهاها.
* * *
وأما قوله: (قل إنما علمها عند ربي لا يجلِّيها لوقتها إلا هو)، فإنه أمرٌ من الله نبيَّه محمدًا ﷺ بأن يجيب سائليه عن الساعة بأنه لا يعلم وقت قيامها إلا الله الذي يعلم الغيب، وأنه لا يظهرها لوقتها ولا يعلمها غيرُه جل ذكره، كما: -
١٥٤٦٨ - حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو)، يقول: علمها عند الله، هو يجليها لوقتها، لا يعلم ذلك إلا الله.
١٥٤٦٩ - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (لا يجليها)، : يأتي بها.
١٥٤٧٠ - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال مجاهد: (لا يجليها)، قال: لا يأتي بها إلا هو.