آيات من القرآن الكريم

مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ ۚ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙ

ويحتمل أن يكون المعنى أو لم يتفكروا أنه ما بصاحبهم من جنة، وسبب نزول هذه الآية فيما روي أن رسول الله ﷺ صعد ليلا على الصفا فجعل يدعو قبائل قريش، يا بني فلان، يا بني فلان يحذرهم ويدعوهم إلى الله فقال بعض الكفار حين أصبحوا هذا مجنون بات يصوت حتى الصباح فنفى الله عز وجل ما قالوه من ذلك في هذا الموطن المذكور وفي غيره، فإن الجنون بعض ما رموه به حتى أظهر الله نوره، ثم أخبر أنه نذير أي محذر من العذاب، ولفظ النذارة إذا جاء مطلقا فإنما هو في الشر، وقد يستعمل في الخير مقيدا به، ويظهر من رصف الآية أنها باعثة لهم على الفكرة في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس به جنة كما أحالهم بعد هذه الآية على النظر ثم بين المنظور فيه كذلك أحال هنا على الفكرة ثم بين المتفكر فيه.
وقوله تعالى: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ الآية، هذا أيضا توبيخ للكفار وتقرير، والنظر هنا بالقلب عبرة وفكرا، ومَلَكُوتِ بناء عظمة ومبالغة، وقوله: وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ لفظ يعم جميع ما ينظر فيه ويستدل به من الصنعة الدالة على الصانع ومن نفس الإنس وحواسه ومواضع رزقه، و «الشيء» واقع على الموجودات وقوله: وَأَنْ عَسى عطف على قوله: فِي مَلَكُوتِ وأَنْ الثانية في موضع رفع ب عَسى، والمعنى توقيفهم على أن لم يقع لهم نظر في شيء من هذا ولا في أنه قربت آجالهم فماتوا ففات أوان الاستدراك ووجب عليهم المحذور، ثم وقفهم بأي حديث أو أمر يقع إيمانهم وتصديقهم إذا لم يقع بأمر فيه نجاتهم ودخولهم الجنة، ونحو هذا المعنى قول الشاعر:
[الطويل]
وعن أي نفس بعد نفسي أقاتل
والضمير في قوله: بَعْدَهُ يراد به القرآن، وقيل المراد به محمد ﷺ وقصته وأمره أجمع، وقيل هو عائد على الأجل بعد الأجل إذ لا عمل بعد الموت.
قوله عز وجل:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٨٦ الى ١٨٧]
مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٨٦) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧)
هذا شرط وجواب مضمنه اليأس منهم والمقت لهم لأن المراد أن هذا قد نزل بهم وأنهم مثال لهذا، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر والحسن وأبو جعفر والأعرج وشيبة وأبو عبد الرحمن وقتادة «ونذرهم» بالنون ورفع الراء وكذلك عاصم في رواية أبي بكر، وروى عنه حفص و «يذرهم» بالياء والرفع، وقرأها أهل مكة وهذا على إضمار مبتدأ ونحن نذرهم أو على قطع الفعل واستئناف القول، وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو فيما ذكر أبو حاتم بالياء والجزم، وقرأها كذلك طلحة بن مصرف والأعمش «ويذرهم» بالياء وبالجزم عطفا

صفحة رقم 483

على موضع الفاء وما بعدها من قوله فَلا هادِيَ لَهُ لأنه موضع جزم، ومثله قول أبي داود: [الوافر]

فأبلوني بليتكم لعلي أصالحكم واستدرج بويا
ومنه قول الآخر: [الكامل]
أنّى سلكت فإنني لك كاشح وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد
قال أبو علي ومثله في الحمل على الموضع قوله تعالى: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ [المنافقون: ١٠] لأنك لو لم تلحق الفاء لقلت أصدق، وروى خارجة عن نافع «ونذرهم» بالنون والجزم. و «الطغيان» الإفراط في الشيء وكأنه مستعمل في غير الصلاح، و «العمه» الحيرة.
وقوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ الآية، قال قتادة بن دعامة المراد يسألونك كفار قريش، وذلك أن قريشا قالت يا محمد إنّا قرابتك فأخبرنا بوقت الساعة، قال ابن عباس: المراد بالآية اليهود، وذلك أن جبل بن أبي قشير وسمويل بن زيد قالا له إن كنت نبيا فأخبرنا بوقت الساعة فإنّا نعرفها فإن صدقت آمنا بك، والساعة القيامة موت كل شيء كان حينئذ حيا وبعث الجميع، هو كله يقع عليه اسم الساعة واسم القيامة، وأَيَّانَ معناه متى وهو سؤال عن زمان ولتضمنها الوقت بنيت، وقرأ جمهور الناس «أيان» بفتح الهمزة، وقرأ السلمي «إيان» بكسر الهمزة، ويشبه أن يكون أصلها أي آن وهي مبنية على الفتح، وقال الشاعر: [الرجز]
أيان يقضي حاجتي أيانا أما ترى لفعلها إبانا
قال أبو الفتح وزن «أيان» بفتح الهمزة فعلان وبكسرها فعلان، والنون فيهما زائدة، ومُرْساها رفع بالابتداء والخبر، أَيَّانَ ومذهب المبرد أن مُرْساها مرتفع بإضمار فعل ومعناه مثبتها ومنتهاها، مأخوذة من أرسى يرسي، ثم أمر الله عز وجل بالرد إليه والتسليم لعلمه، ويُجَلِّيها معناه يظهرها والجلاء البينة الشهود وهو مراد زهير بقوله: [الوافر].
يمين أو نفار أو جلاء وقوله: ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قال السدي ومعمر عن بعض أهل التأويل: معناه ثقل أن تعلم ويوقف على حقيقة وقتها، قال الحسن بن أبي الحسن معناه ثقلت هيئتها والفزع منها على أهل السماوات والأرض، كما تقول خيف العدو في بلد كذا وكذا، وقال قتادة وابن جريج: معناه ثقلت على السماوات والأرض أنفسها لتفطر السماوات وتبدل الأرض ونسف الجبال، ثم أخبر تعالى خبرا يدخل فيه الكل أنها لا تأتي إلا بغتة أي فجأة دون أن يتقدم منها علم بوقتها عند أحد من الناس، وبَغْتَةً مصدر في موضع الحال.
وقوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها الآية، قال ابن عباس وقتادة ومجاهد: المعنى يسألونك عنها كأنك حفي أي متحف ومهتبل، وهذا ينحو إلى ما قالت قريش إنّا قرابتك فأخبرنا، وقال مجاهد أيضا والضحاك وابن زيد: معناه كأنك حفي في المسألة عنها والاشتغال بها حتى حصلت علمها، وقرأ ابن عباس

صفحة رقم 484
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية