
بالقرآن قبل الفوت، وماذا ينتظرون بعد وضوح الحقِّ، وبأىّ حديث أحقّ منه يريدون أن يؤمنوا.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨٦]
مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٨٦)
قرئ وَيَذَرُهُمْ بالياء والنون، والرفع على الاستئناف، ويذرهم، بالياء والجزم عطفا على محل فَلا هادِيَ لَهُ كأنه قيل: من يضلل الله لا يهده أحد ويذرهم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨٧]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧)
يَسْئَلُونَكَ قيل إن قوما من اليهود قالوا: يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبياً، فإنا نعلم متى هي، وكان ذلك امتحاناً منهم، مع علمهم أن الله تعالى قد استأثر بعلمها. وقيل: السائلون قريش. والسَّاعَةِ من الأسماء الغالبة، كالنجم للثريا. وسميت القيامة بالساعة، لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها، أو على العكس لطولها، أو لأنها عند الله على طولها كساعة من الساعات عند الخلق. أَيَّانَ بمعنى متى. وقيل: اشتقاقه من أىّ فعلان منه، لأن معناه أىّ وقت وأى فعل، من أويت إليه، لأن البعض آو إلى الكل متساند إليه، قاله ابن جنى، وأبى أن يكون من «أين» لأنه زمان، «وأين» مكان. وقرأ السلمى: إيان، بكسر الهمزة «١» مُرْساها إرساؤها، أو وقت إرسائها، أى إثباتها وإقرارها. وكل شيء ثقيل رسوّه ثباته واستقراره. ومنه: رسى الجبل وأرسى السفينة. والمرسى: الأنجر الذي ترسى به، ولا أثقل من الساعة، بدليل قوله ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والمعنى: متى يرسيها الله إِنَّما عِلْمُها أى علم وقت إرسائها عنده قد استأثر به، لم يخبر به أحداً من ملك مقرّب ولا نبىّ مرسل، يكاد يخفيها من نفسه، ليكون ذلك أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية كما أخفى الأجل الخاص وهو وقت الموت لذلك لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ أى لا تزال خفية، لا يظهر أمرها ولا يكشف خفاء علمها إلا هو وحده إذا جاء بها في وقتها بغتة، لا يجليها «٢» بالخبر عنها قبل مجيئها أحد من خلقه، لاستمرار الخفاء بها على غيره إلى وقت وقوعها ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى كل من أهلها من الملائكة
(٢). قوله «بغتة لا يجليها» لعله: وقيل لا يجليها، بل لعله «أو لا يجليها». (ع)

والثقلين أهمه شأن الساعة، ويودّه أن يتجلى له علمها وشق عليه خفاؤها وثقل عليه. أو ثقلت فيها لأن أهلها يتوقعونها ويخافون شدائدها وأهوالها. أو لأن كل شيء لا يطيقها ولا يقوم لها فهي ثقيلة فيها إِلَّا بَغْتَةً إلا فجأة على غفلة منكم. وعن النبي ﷺ «إن الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه «١» والرجل يسقى ماشيته، والرجل يقوّم سلعته في سوقه، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه «٢» » كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها كأنك عالم بها. وحقيقته: كأنك بليغ في السؤال عنها «٣»، لأن من بالغ في المسألة عن الشيء والتنقير عنه، استحكم علمه فيه ورصن «٤» وهذا التركيب معناه المبالغة. ومنه: إحفاء الشارب. واحتفاء البقل: استئصاله. وأحفى في المسألة، إذا ألحف «٥». وحفى بفلان وتحفى به: بالغ في البرّ به. وعن مجاهد: استحفيت عنها
(٢). أخرجه الطبري بالإسناد المذكور إلى قتادة قال ذكر لنا- فذكره، وفي الصحيحين عن أبى هريرة رفعه «لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه- الحديث».
(٣). قال محمود «معناه كأنك بليغ في السؤال عنها... الخ» قال أحمد وفي هذا النوع من التكرير نكتة لا تلفى إلا في الكتاب العزيز، وهو أجل من أن يشارك فيها، وذاك أن المعهود في أمثال هذا التكرير أن الكلام إذا بنى على مقصد، واعترض في أثنائه عارض فأريد الرجوع لتتميم المقصد الأول وقد بعد عهده، طرى بذكر المقصد الأول لتتصل نهايته ببدايته، وقد تقدم لذلك في الكتاب العزيز أمثال، وسيأتى وهذا منها، فانه لما ابتدأ الكلام بقوله يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها ثم اعترض ذكر الجواب المضمن في قوله قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي إلى قوله بَغْتَةً أريد تتميم سؤالهم عنها بوجه من الإنكار عليهم، وهو المضمن في قوله كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها وهو شديد التعلق بالسؤال، وقد بعد عهده فطري ذكره تطرية عامة، ولا نراه أبدا يطرى إلا بنوع من الإجمال كالتذكرة للأول مستغنى عن تفصيله بما تقدم، فمن ثم قيل يَسْئَلُونَكَ ولم يذكر المسئول عنه وهو الساعة، اكتفاء بما تقدم، فلما كرر السؤال لهذه الفائدة كرر الجواب أيضا مجملا فقال قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ ويلاحظ هذا في تلخيص الكلام بعد بسطه. ومن أدق ما وقفت عليه العرب في هذا النمط من التكرير لأجل بعد العهد تطرية للذكر قوله:
عجل لنا هذا وألحقنا بذا ال | الشحم إنا قد مللناه يجل |
يا خليلي أربعا واستخبرا ال | منزل الدارس من أهل الحلال |
مثل سحق البرد عنى بعدك ال | قطر مغناه وتأويب الشمال |
(٤). قوله «ورصن» أى: ثبت وتمكن اه. (ع)
(٥). قوله «إذا ألحف» أى ألح وعنف اه. (ع)