
وقال ابن عباس: (يريد: أمة محمد - ﷺ -، وهم المهاجرون والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان) (١).
وقوله تعالى: ﴿يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾. قد ذكرنا ما فيه عند قوله: ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ﴾ [الأعراف: ١٥٩].
١٨٢ - قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾، قال الكلبي: (يعني: أهل مكة كذبوا بمحمد والقرآن) (٢).
وقوله تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾. الاستدراج في اللغة (٣):
(١) ذكره الواحدي في "الوسيط" ٢/ ٢٧٧، والبغوي ٣/ ٣٠٨، وابن الجوزي ٣/ ٢٩٤، والرازي ١٥/ ٧٢، والخازن ٢/ ٤٢٠، وذكره الثعلبي ٦/ ٢٦ أ، عن عطاء فقط، وأكثرهم على أنه في أمة محمد - ﷺ -.
وقال "النحاس" ١/ ٦٥٣: (دل الله جل وعز بهذه الآية أنه لا تخلو الدنيا في وقت من الأوقات من داع يدعو إلى الحق) اهـ، وانظر: السمرقندي ١/ ٥٨٥، ابن عطية ٦/ ١٥٨، و"البحر" ٤/ ٤٣٠.
(٢) "تنوير المقباس" ٢/ ١٤٣. وذكره الواحدي في "الوسيط" ٢/ ٢٧٧، وهو قول السمرقندي ١/ ٥٨٦، وذكره ابن الجوزي ٣/ ٢٩٤، والرازي ١٥/ ٧٣، والقرطبي ٧/ ٣٢٩، عن ابن عباس، والظاهر العموم وأول ما يدخل كفار مكة، وهو اختيار الرازي ١٥/ ٧٣، والخازن ٢/ ٣٢٠، قال الخازن: (هذا أولى لأن صيغة العموم تتناول الكل إلا ما دل الدليل على خروجه منه) اهـ.
(٣) انظر: "العين" ٦/ ٧٧، و"الصحاح" ١/ ٣١٣، و"مقاييس اللغة" ٢/ ٢٧٥، و"المجمل" ٢/ ٣٢٥، و"المفردات" ص ٣١١، و"اللسان" ٣/ ١٣٥٢ (درج).

الأخذ بطيِّ منزلةٍ (١) وأصله من الدرج، وهو لفُّ الشيء، يقال: درجته وأدرجته ودرجته، وأدرجت المرأة صبيها في المعاوز (٢)، وأدرج الميت في أكفانة، وأدرجت الكتاب في الكتاب إذا طويته فيه (٣)، والاستدراج هو طي منزلة بعد منزلة، ويجوز أن يكون من الدرجة فيكون معنى الاستدراج في الأمر: أن يحط درجة بعد درجة حتى ينتهي إلى مقصوده، وهذا معنى الاستدراج في اللغة، وهو معنى قول المفسرين (٤) وأهل المعاني (٥).
وقال أبو عبيدة (٦): والمؤرج (٧): (الاستدراج أن آتيه من حيث لا يعلم)، وهو معنى قول ابن عباس (٨): (سنمكر بهم من حيث لا يعلمون).
وقال الكلبي: (يزين لهم أعمالهم فيهلكهم) (٩).
(٢) المعاوز، جمع معوز -بكسر الميم وسكون العين وفتح الواو-: وهو الثوب الخلق وخرقة يلف بها الصبي. انظر: "اللسان" ٥/ ٣١٦٩ (عوز).
(٣) ما تقدم في "تهذيب اللغة" ٢/ ١١٦٨ (درج).
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ٩/ ١٣٥، والسمرقندي ١/ ٥٨٦، والماوردي ٢/ ٢٨٣.
(٥) انظر: "معاني النحاس" ٣/ ١٠٩.
(٦) "مجاز القرآن" ١/ ٢٣٣ وزاد: (ومن حيث تلطف له حتى تغتره). ونحوه قال اليزيدي في "غريب القرآن" ص ١٥٤.
(٧) ذكره الثعلبي ٦/ ٢٦ ب.
(٨) ذكره الواحدي في "الوسيط" ٢/ ٢٧٧، وذكره الثعلبي ٦/ ٢٦ ب، والبغوي ٣/ ٣٠٨ عن عطاء.
(٩) ذكره السمرقندي في "تفسيره" ١/ ٥٨٦، والثعلبي ٦/ ٢٦ ب والبغوي ٣/ ٣٠٨، والخازن ٢/ ٣٢٠.

وقال الضحاك: (كلما جددوا لنا معصية جددنا لهم نعمة) (١).
وقال الأزهري: (قيل في قوله تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾: سنأخذهم قليلاً من حيث لا يحتسبونه، وذلك أنه جل وعز يفتح عليهم من النعيم ما يغتبطون به ويركنون إليه أنسًا به (٢)، ثم يأخذهم علي غرّتهم أغفلَ ما يكونون (٣)، ولهذا قال عمر (٤) -رضي الله عنه- لما حُمل إليه كنوز كسرى: "اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرجًا؛ فإني أسمعك تقول: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ") (٥).
وقال عبد الله بن مسلم: (الاستدراج أن يُدنيهم من بأسه قليلاً، ومنه يقال: درجت فلانًا إلى كذا، واستدرج فلانًا حتى تعرف ما عنده، يراد: لا تجاهره ولا تهجم عليه بالسؤال، ولكن استخرج ما عنده قليلاً قليلاً، قال: وأصل هذا من الدرجة، وذلك أن الراقي فيها والنازل منها ينزل مِرْقاة مرقاة، فاستعير (٦) هذا منها) (٧). والاية وعيد للمكذب بآيات الله عز وجل بأنه يستدرجه إلى العذاب من حيث لا يعلم ما إليه يصير (٨).
(٢) في (ب): (أنسيأبهم)، وهو تحريف.
(٣) في (ب): (ما يكون)، وهو تحريف.
(٤) ذكره الرازي ١٥/ ٧٣، والخازن ٢/ ٣٢٠، ولم أقف على إسناده بعد طول بحث.
(٥) "تهذيب اللغة" ٢/ ١١٦٨ - ١١٦٩ (درج).
(٦) في (ب): (واستعير).
(٧) "تأويل مشكل القرآن" ص ١٦٦.
(٨) انظر: "إعراب النحاس" ١/ ٦٥٣.