آيات من القرآن الكريم

وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘ

٥- المتمسكون بكتاب الله، والمقيمو الصلاة، لهم أجرهم الجزيل عند ربهم، لا يضيع من حسناتهم شيء.
٦- من قبائح اليهود أنهم رفضوا الأخذ بالتوراة لغلظها وثقلها، ولم يعودوا للعمل بما فيها إلا بتهديدهم بإسقاط جبل الطور عليهم. وقد سبق بيان قصة الجبل في سورة البقرة (٦٣، ٩٣) وفي سورة النساء (١٥٤).
الميثاق العام المأخوذ على بني آدم
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٧٢ الى ١٧٤]
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٧٤)
الإعراب:
وَإِذْ أَخَذَ إذ: في موضع نصب لأنه يتعلق بقولهم: قالُوا: بَلى وقيل: بتقدير:
اذكر. ومِنْ ظُهُورِهِمْ: بدل من بَنِي آدَمَ بإعادة الجار، وهو بدل بعض من كل، وتقديره: وإذ أخذ ربك من ظهورهم من بني آدم ذرياتهم.
أَنْ تَقُولُوا في موضع نصب على المفعول له أي لأجله، وتقديره: لئلا يقولوا، أو كراهة أن تقولوا.
البلاغة:
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ فيه التفات من المتكلم إلى المخاطب، والأصل: وإذ أخذنا، والمقصود تعظيم شأن الرسول بتوجيه الخطاب له. والإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام: رَبُّكَ فيها تكريم وتشريف.

صفحة رقم 155

المفردات اللغوية:
وَإِذْ أَخَذَ: واذكر حين أخذ أي أخرج، وإنما عبّر به، لما فيه من الاصطفاء والانتقاء مِنْ ظُهُورِهِمْ جمع ظهر: وهو ما فيه العمود الفقري للإنسان ذُرِّيَّتَهُمْ سلالتهم ذكورا وإناثا، بأن أخرج بعضهم من صلب بعض، من صلب آدم، نسلا بعد نسل، كنحو ما يتوالدون كالذر وَأَشْهَدَهُمْ أخذ منهم شهادة على أنفسهم، والشهادة: إما قولية، كما قال:
ِدْنا عَلى أَنْفُسِنا
[الأنعام ٦/ ١٣٠] أو حالية، كما قال: ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ، شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ [التوبة ٩/ ١٧] أي حالهم شاهدة عليهم بذلك، لا قائلين.
بَلى شَهِدْنا أي بلى أنت ربنا، شهدنا بذلك أَنْ تَقُولُوا أي أن الإشهاد لئلا تقولوا أيها الكفار عَنْ هذا التوحيد غافِلِينَ لا نعرفه.
وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أي فاقتدينا بهم لأن التقليد عند قيام الدليل والتمكن من العلم به لا يصلح عذرا أَفَتُهْلِكُنا تعذبنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ من آبائنا بتأسيس الشرك. المعنى:
لا يمكنهم الاحتجاج بذلك مع إشهادهم على أنفسهم بالتوحيد. والتذكير به على لسان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قائم مقام ذكره في النفوس.
وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ مثل ذلك البيان للميثاق نبينها، ليتدبروها وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عن كفرهم أو عن التقليد واتباع الباطل.
المناسبة:
لما شرح الله تعالى قصة موسى عليه السلام مع توابعها، ذكر في هذه الآية ما هو حجة على جميع المكلفين. وبعد أن ذكر الميثاق الخاص على اليهود بقوله:
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ [البقرة ٢/ ٦٣] وقوله: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ذكر هنا الميثاق العام الذي أخذه على بني آدم جميعا وهم في صلب آدم.
والمقصود من هذا الكلام هاهنا إلزام اليهود بمقتضى الميثاق العام بعد ما ألزمهم بالميثاق المخصوص بهم، والاحتجاج عليهم بالحجج النقلية والعقلية، ومنعهم عن التقليد، وحملهم على النظر والاستدلال.

صفحة رقم 156

التفسير والبيان:
واذكر يا محمد للناس جميعا ما أخذه الله على البشر كافة من ميثاق يتضمن الاعتراف على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا الله، وذلك حين أخذ ربك من ظهور بني آدم ذريتهم كما تثبت الآية، ومن آدم نفسه كما ثبت في الخبر «١»، أي استخرج من بني آدم ذريتهم أو سلالتهم، وخلقهم على فطرة التوحيد والإسلام.
وأشهد كل واحد على نفسه من هؤلاء الذرية قائلا لهم قول إرادة وتكوين، لا قول وحي وتبليغ: ألست بربكم؟ فقالوا بلسان الحال، لا بلسان المقال: بلى أنت ربنا المستحق وحدك للعبادة.
وسبب هذا الإشهاد هو ألا يعتذروا يوم القيامة إذا أشركوا: إنا كنا عن التوحيد غافلين، أي لم ينبهنا إليه أحد، فلا عذر لكم بعد إقامة الأدلة على وحدانية الله، ووجود العقل، وتكوين الفطرة.
وخلق الناس على فطرة التوحيد مقرر في آية أخرى هي قوله تعالى:
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً، فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم ٣٠/ ٣٠]
وفي الصحيحين ما يؤيد ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة»
وفي رواية: «على هذه الملة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تلد البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسّون فيها من جدعاء»
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «يقول الله: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم».
والجمعاء: السليمة الخلقة، والجدعاء: المقطوعة بعض الأعضاء.

(١) وهو
ما رواه الترمذي وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «لما خلق الله آدم مسح ظهره. فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة... ».

صفحة رقم 157

وقد اختلف العلماء في هذه الآية آية وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ... على رأيين:
رأي السلف، ورأي الخلف. أما السلف من المفسرين فقالوا: إن الله خلق آدم وأخرج من ظهره ذريته كالذر، وأحياهم وجعل لهم عقلا وإدراكا، وألهمهم ذلك الحديث وتلك الإجابة، وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم، فأقروا بذلك، وقد روي هذا المعنى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من طرق كثيرة لا يخلو بعضها من ضعف وانقطاع، وقال به جماعة من الصحابة «١».
وأما الخلف فقالوا: هذا من قبيل التمثيل والتصوير، والمجاز والاستعارة فلا سؤال ولا جواب، وإنما أقام الله الأدلة الكونية على وحدانيته وربوبيته للكون كله، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم، وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى، فكأنه قال للخلق: أقروا بأني ربكم، ولا إله غيري، وكأنه أشهدهم على أنفسهم، وقال لهم: ألست بربكم؟ فقالوا: بلى «٢». وهذا ما اختاره الزمخشري وأبو حيان وأبو السعود والبيضاوي. وقال عنه الرازي: لا طعن فيه البتة.
وحدد ابن كثير دلالة الأحاديث، فقال: هذه الأحاديث دالة على أن الله عز وجل استخرج ذرية آدم من صلبه، وميّز بين أهل الجنة وأهل النار، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم، فما هو إلا في حديث ابن عباس، وفي حديث عبد الله بن عمرو، وهما موقوفان لا مرفوعان، ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف: إن المراد بهذا الإشهاد، إنما هو فطرهم على التوحيد، كما تقدم في حديث أبي هريرة وعياض بن حمار المجاشعي، وقد فسر الحسن الآية بذلك.
قالوا: ولهذا قال: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ولم يقل: من آدم،

(١) تفسير الرازي: ١٥/ ٤٦، تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٦١- ٢٦٤.
(٢) روي عن ابن عباس أنه قال: «لو قالوا: نعم، لكفروا» لأن «نعم» تصديق للمخبر بنفي أو إيجاب، فكأنهم أقروا أنه ليس ربهم، بخلاف «بلى» فإنها حرف جواب، وتختص بالنفي وتفيد إبطاله، والمعنى: بلى أنت ربنا، ولو قالوا: نعم، لصار المعنى: نعم لست ربنا.

صفحة رقم 158

مِنْ ظُهُورِهِمْ ولم يقل: من ظهره ذرياتهم أي جعل نسلهم جيلا بعد جيل، وقرنا بعد قرن. ثم قال: وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا: بَلى أي أوجدهم شاهدين بذلك، قائلين له حالا وقالا، والشهادة تكون بالقول، كقوله: الُوا: شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا
الآية، وتارة تكون حالا، كقوله تعالى: ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ، شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ [التوبة ٩/ ١٧] أي حالهم شاهد عليهم بذلك، لا أنهم قائلون ذلك، وكذا قوله تعالى: وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ [العاديات ١٠٠/ ٧].
فالمراد من الآية أن الله تعالى جعل الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد حجة مستقلة عليهم، ولهذا قال: أَنْ تَقُولُوا أي لئلا تقولوا يوم القيامة: إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا أي التوحيد غافِلِينَ أي لم ننبه إليه أَوْ تَقُولُوا: إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا الآية.
وإني لميّال لهذا الرأي، وهو أولى الآراء بالصواب.
أَوْ تَقُولُوا: إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا... أي إن سبب الإشهاد لمنع اعتذارهم يوم القيامة بغفلتهم عن التوحيد، أو بادعائهم التقليد، وقولهم: إن آباءنا أشركوا من قبلنا، ونحن خلف لهم، نجهل بطلان شركهم، وقد قلدناهم في أعمالهم واعتقادهم، مع حسن الظن بهم، ولم نهتد إلى التوحيد.
أفتهلكنا بالعذاب وتؤاخذنا بما فعله المبطلون من آبائنا؟! ولكن الله لا يقبل عذرهم أبدا لأن التقليد في الاعتقاد وأصول الدين لا يجوز.
ومثل ذلك التفصيل البليغ الواضح للميثاق، نفصل للناس الآيات البينات، ليتدبروها بعقل وبصيرة، ولعلهم يرجعون بها عن شركهم، وجهلهم، وتقليدهم الآباء والأجداد.

صفحة رقم 159

فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- خلق الله البشر على فطرة التوحيد أي الإقرار بأن الله ربهم وأنه واحد لا شريك له.
٢- لا يعذر الإنسان بالجهل بخالقه، لما يرى من الدلائل، فمن لم تبلغه دعوة رسول لا يعذر يوم القيامة في الشرك بالله، ولا بفعل الفواحش التي تنفر منها الطباع السليمة وتدرك ضررها العقول الرشيدة.
٣- إن من مات صغيرا دخل الجنة لإقراره في الميثاق الأول، ومن بلغ عاقلا لم يغنه الميثاق الأول، وبناء عليه: أطفال المشركين في الجنة.
٤- إبطال حجة المشركين يوم القيامة بأنه لم يأتهم رسول ينبههم إلى التوحيد، وإبطال التقليد للآباء والأجداد في أصول العقيدة والدين، فكما لا يقبل الاعتذار بالجهل لقيام الأدلة على التوحيد، لا يقبل الاعتذار بالتقليد، بعد قيام الأدلة الفطرية والعقلية على معرفة الله ووحدانيته.
٥- في كتاب الله تعالى وهو القرآن تفصيل كل شيء، فكما فصل الله في الآية بناء الإنسان على فطرة التوحيد، بيّن سائر الآيات ليتدبرها الناس، فيرجعوا إلى الحق، ويعرضوا عن الباطل.

صفحة رقم 160
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية