
٤ – إطلاق لفظ السوء على المعصية مؤذن بأن المعصية مهما كانت صغيرة تحدث السوء في نفس فاعلها.
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (١٦٧) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٦٨) فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مُّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (١٦٩) وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (١٧٠)
شرح الكلمات:
تأذن ١: أعلم وأعلن.
ليبعثن: أي ليسلطن.
من يسومهم سوء العذاب: أي يذيقهم ويوليهم سوء العذاب كالذلة والمسكنة.
وقطعناهم: أي فرقناهم جماعات جماعات.
بلوناهم بالحسنات والسيئات: اختبرناهم بالخير والشر أو النعم والنقم.
فقلت تعلّم إنّ للصيد غرّة...
فَإلاَّ تضيّعها فإنك قاتله

فخلف من بعدهم خلف: الخلف بإسكان اللام خلف سوء وبالتحريك خلف خير.
ورثوا الكتاب: أي التوراة.
عرض هذا الأدنى: أي حطام الدنيا الفاني وهو المال.
يمسكون بالكتاب: أي يتمسكون بما في التوراة فيحلون ما أحل الله فيها ويحرمون ما حرم.
معنى الآيات:
ما زال السياق في شأن اليهود فقد أمر تعالى رسوله أن يذكر إعلامه تعالى بأنه سيبعث بكل تأكيد على اليهود إلى يوم القيامة من يذلهم ويضطهدهم عقوبة منه تعالى لهم على خبث طواياهم وسوء أفعالهم، وهذا الإطلاق في هذا الوعيد الشديد يقيد بأحد أمرين الأول بتوبة من تاب منهم ويدل على هذا القيد قوله تعالى في آخر هذه الآية ﴿إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم﴾ أي لمن تاب والثاني بجوار دولة قوية لهم وحمايتها وهذا مفهوم قوله تعالى من سورة آل عمران ﴿ضربت عليهم الذلة والمسكنة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله﴾ وهو الإسلام ﴿وحبل من الناس﴾، وهو ما ذكرناه آنفاً. هذا ما دلت عليه الآية الأولى في هذا السياق (١٦٧) وهي قوله تعالى ﴿وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم١ سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم﴾ وأما الآية الثانية (١٦٨) فقد تضمنت بيان فضل الله تعالى على اليهود وهو أن الله تعالى قد فرقهم في الأرض جماعات جماعات، وأن منهم الصالحين، وأن منهم دون ذلك وأنه اختبرهم بالحسنات وهي النعم، والسيئات وهي النقم تهيئة لهم وإعداداً للتوبة إن آثروا التوبة على الاستمرار في الإجرام والشر والفساد. هذا ما تضمنته الآية الثانية وهي قوله تعالى {وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون٢ ومن دون ذلك، وبلوناهم بالحسنات
٢ أي شتتناهم في البلاد بعد تسلط البابليين عليهم وتمزيق ملكهم فعاشوا مشتتين فلم ينتظم ملكهم مدّة طويلة وهم إذ ذاك ما بين صالح وفاسد وانتظم أمرهم مرة أخرى ثمّ فسقوا فسلّط عليهم أطيطوس الروماني فتفرقوا مرّة أخرى وما زالوا مفرقين إلى هذه الأيام، باجتماعهم في فلسطين وتكوينهم دولة إسرائيل وعمّا قريب تزول.

والسيئات لعلهم يرجعون} وأما الآية الثالثة (١٦٩) فقد أخبر تعالى أنه فد خلف من بعد تلك الأمة خلف سوء١ ورثوا الكتاب الذي هو التوراة ورثوه عن أسلافهم ولم يتلزموا بما أخذ عليهم فيه من عهود على الرغم من قراءتهم له فقد آثروا الدنيا على الآخرة فاستباحوا الربا والرشا وسائر المحرمات، ويدعون أنهم سيغفر لهم، وكلما أتاهم مال حرام أخذوه ومنوا أنفسهم بالمغفرة٢ كذباً على الله تعالى قال تعالى موبخاً لهم ﴿ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق﴾ وقد قرأوا هذا في الكتاب وفهموه ومع هذا يجترئون على الله ويكذبون عليه بأنه سيغفر لهم، ثم يواجههم تعالى بالخطاب مذكراً لهم واعظاً فيقول ﴿والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون؟﴾ ويفتح الله تعالى باب الرجاء لهم في الآية الرابعة في هذا السياق فيقول ﴿والذين يمسكون بالكتاب٣﴾ أي يعملون بحرص وشدة بما فيه من الأحكام والشرائع ولا يفرطون في شيء من ذلك ﴿وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين﴾، ومعنى هذا أنهم مصلحون إن تمسكوا بالكتاب وأقاموا الصلاة، وان الله تعالى سيجزيهم على إصلاحهم لأنفسهم ولغيرهم أعظم الجزاء وأوفره، لأنه تعالى لا يضيع أجر المصلحين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان موجز لتوبيخ اليهود في هذه الآيات الأربع.
٢- من أهل الكتاب الصالحون، ومنهم دون ذلك.
٣- التنديد بإيثار الدنيا على الآخرة، وبتمني المغفرة مع الإصرار على الإجرام.
٤- تفضيل الآخرة على الدنيا بالنسبة للمتقين.
٥- الحث على التمسك بالكتاب قراءة وتعلماً وعملاً بإحلال حلاله وتحريم حرامه.
ذهب الذين يعاش في أكنافهم | وبقيت في خلف كجلد الأجرب |
٣ مسك وتمسّك بمعنى واحد.