
﴿وَإِذ قَالَت أمة مِنْهُم﴾ الآيَةَ.
تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: الْقَرْيَةُ: هِيَ (أَيْلَةُ) وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ دَاوُدَ؛ وَهُوَ مَكَانٌ مِنَ الْبَحْرِ تَجْتَمِعُ فِيهِ الْحِيتَانُ فِي شَهْرٍ مِنَ السَّنَةِ؛ كَهَيْئَةِ الْعِيدِ، تَأْتِيهِمْ مِنْهُ حَتَّى لَا يَرَوُا الْمَاءَ، وَتَأْتِيهِمْ فِي غَيْرِ ذَلِك الشَّهْر كُلِّ يَوْمِ سبتٍ؛ كَمَا تَأْتِيهِمْ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ، فَإِذَا جَاءَ السَّبْتُ لَمْ يَمَسُّوا مِنْهَا شَيْئًا، فَعَمَدَ رجالٌ مِنْ سُفَهَاءِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ؛ فَأَخَذُوا الْحِيتَانَ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَيَوْمَ السَّبْتِ، فَأَكْثَرُوا مِنْهَا وَمَلَّحُوا وَبَاعُوا، وَلَمْ تَنْزِلْ بِهِمْ عقوبةٌ فَاسْتَبْشَرُوا، وَقَالُوا: إِنَّا نَرَى السَّبْتَ قَدْ حَلَّ، وَذَهَبَتْ حُرْمَتُهُ، إِنَّمَا كَانَ يُعَاقَبُ بِهِ آبَاؤُنَا، فَعَمِلُوا بِذَلِكَ سِنِينَ؛ حَتَّى أَثْرَوْا مِنْهُ، وَتَزَوَّجُوا النِّسَاءَ، وَاتَّخَذُوا الأَمْوَالَ، فَمَشَى إِلَيْهِمْ طَوَائِفٌ مِنْ صَالِحِيهِمْ؛ فَقَالُوا: يَا قَوْمُ، انْتَهَكْتُمْ حُرْمَةَ سَبْتِكُمْ، وَعَصَيْتُمْ رَبَّكُمْ، وَخَالَفْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، فَانْتَهُوا عَنْ هَذَا الْعَمَلِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمُ الْعَذَابُ ﴿قَالُوا: فَلِمَ تَعِظُونَنَا إِذْ كُنْتُمْ عَلِمْتُمْ أَن الله مهلكنا؟﴾ وَإِن أطعمتمونا لَتَفْعَلُنَّ كَالَّذِي فَعَلْنَا، فَقَدْ فَعَلْنَا مُنْذُ سِنِينَ فَمَا زَادَنَا اللَّهُ بِهِ إِلَّا خَيْرًا. قَالُوا: وَيْلَكُمْ لَا تَغْتَرُّوا وَلا تَأْمَنُوا بَأْسَ اللَّهِ

[... ] كَأَنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ، قَالُوا ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ الآيَةَ.
وَفِي غَيْرِ تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ: صَارُوا ثَلاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ اجْتَرَأَتْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَفِرْقَةٌ نَهَتْ، وَفِرْقَةٌ كَفَّتْ؛ فَلَمْ تَصْنَعْ مَا صَنَعُوا وَلم تنههم وَقَالُوا (ل ١١٢): لِلَّذِينَ نَهَوْا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾.
قَالَ محمدٌ: يَجُوزُ الرَّفْعُ فِي ﴿معذرة﴾ عَلَى مَعْنَى: مَوْعِظَتُنَا إِيَّاهُمْ مَعْذِرَةٌ.