
ذنب الحوت، وفي الطرف الآخر من الخيط وتد مضروب، وتركه كذلك إلى الأحد، ثم تطرق الناس حين رأوا من صنع هذا لا يبتلى كثر صيد الحوت ومشي به في الأسواق، وأعلن الفسقة بصيده وقالوا ذهبت حرمة السبت فقامت فرقة من بني إسرائيل ونهت وجاهرت بالنهي واعتزلت، والعامل في قوله: وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ قوله: لا تَأْتِيهِمْ وهو ظرف مقدم، وقرأ عمر بن عبد العزيز «حيتانهم يوم أسباتهم»، وقرأ نافع وأبو عمرو والحسن وأبو جعفر والناس «يسبتون» بكسر الباء، وقرأ عيسى بن عمر وعاصم بخلاف «يسبتون» بضمها، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وعاصم بخلاف «يسبتون» من أسبت إذا دخل في السبت، ومعنى قوله: كَذلِكَ الإشارة إلى أمر الحوت وفتنتهم به، هذا على من وقف على تَأْتِيهِمْ ومن وقف على كَذلِكَ فالإشارة إلى كثرة الحيتان شرعا، أي فما أتى منها فهو قليل، ونَبْلُوهُمْ أي نمتحنهم لفسقهم وعصيانهم.
قال القاضي أبو محمد: وفي قصص هذه الآية رواية وتطويل اختصرته واقتصرت منه على ما لا تفهم ألفاظ الآية إلا به.
قوله عز وجل:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٦٤ الى ١٦٦]
وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٦٤) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (١٦٦)
قال جمهور المفسرين: إن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق، فرقة عصت وصادت، وفرقة نهت وجاهرت وتكلمت واعتزلت، وفرقة اعتزلت ولم تعص ولم تنه، وإن هذه الفرقة لما رأت مجاهرة الناهية وطغيان العاصية وعتوها قالت للناهية لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً يريدون العاصية اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ على غلبة الظن وما عهد من فعل الله حينئذ بالأمم العاصية، فقالت الناهية موعظتنا معذرة إلى الله، ثم اختلف بعد هذا فقالت فرقة إن الطائفة التي لم تعص ولم تنه هلكت مع العاصية عقوبة على ترك النهي، قاله ابن عباس، وقال أيضا: ما أدري ما فعل بهم، وقالت فرقة بل نجت مع الناهية لأنها لم تعص ولا رضيت قاله عكرمة والحسن وغيرهما، وقال ابن الكلبي فيما أسند عنه الطبري إن بني إسرائيل لم تفترق إلا فرقتين، فرقة عصت وجاهرت وفرقة نهت وغيرت واعتزلت، وقالت للعاصية إن الله يهلكهم ويعذبهم، فقالت أمة من العاصين للناهين على جهة الاستهزاء لم تعظون قوما قد علمتم أن الله مهلكهم أو معذبهم.
قال القاضي أبو محمد: والقول الأول أصوب، وتؤيده الضمائر في قوله: إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ فهذه المخاطبة تقتضي مخاطبا ومخاطبا ومكنيا عنه، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي «معذرة» بالرفع، أي موعظتنا، معذرة أي إقامة عذر، وقرأ عاصم في بعض ما روي عنه وعيسى بن عمر

وطلحة بن مصرف «معذرة» بالنصب أي وعظنا معذرة، قال أبو علي حجتها أن سيبويه قال: لو قال رجل لرجل معذرة إلى الله وإليك من كذا لنصب.
قال القاضي أبو محمد: الرجل القائل في هذا المثال معتذر عن نفسه وليس كذلك الناهون من بني إسرائيل فتأمل، ومعنى مُهْلِكُهُمْ في الدنيا أَوْ مُعَذِّبُهُمْ في الآخرة، وقوله: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ يقتضي الترجي المحض، لأنه من قول آدميين.
والضمير في قوله: نَسُوا للمنهيين وهو ترك سمي نسيانا مبالغة إذ أقوى منازل الترك أن ينسى المتروك. وما في قوله: ما ذُكِّرُوا بِهِ معنى الذي، ويحتمل أن يراد به الذكر نفسه، ويحتمل أن يراد به ما كان فيه الذكر، والسُّوءِ لفظ عام في جميع المعاصي إلا أن الذي يختص هنا بحسب قصص الآية صيد الحوت، والَّذِينَ ظَلَمُوا هم العاصون، وقوله: بِعَذابٍ بَئِيسٍ معناه مؤلم موجع شديد، وقرأ نافع وأهل المدينة أبو جعفر وشيبة وغيرهما «بيس» بكسر الباء وسكون الياء وكسر السين وتنوينها، وهذا على أنه فعل سمي به كقوله ﷺ «أنهاكم عن قيل وقال». وقرأ الحسن بن أبي الحسن «بيس» كما تقول بيس الرجل وضعّفها أبو حاتم، قال أبو عمرو: وروي عن الحسن «بئس» بهمزة بين الباء والسين، وقرأ نافع فيما يروي عنه خارجة «بيس» بفتح الباء وسكون الياء وكسر السين منونة، وروى مالك بن دينار عن نصر بن عاصم «بيس» بفتح الباء والياء منونة على مثل جمل وجيل، وقرأ أبو عبد الرحمن المقري «بئس» بفتح الباء وهمزة مكسورة وسين منونة على وزن فعل، ومنه قول عبد الله بن قيس الرقيات:
[المديد]
ليتني ألقى رقية في... خلوة من غير ما بئس
قال أبو عمرو الداني هي قراءة نصر بن عاصم وطلحة بن مصرف، وروي عن نصر «بيس» بباء مكسورة من غيرهم، قال الزهراوي وروي عن الأعمش «بئّس» الباء مفتوحة والهمزة مكسورة مشددة والسين مكسورة منونة، وقرأ فرقة «بئس» كالتي قبل إلا فتح السين، ذكرها أبو عمرو الداني عما حكى يعقوب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ونافع في رواية أبي قرة عنه وعاصم في رواية حفص عنه «بئيس» بياء بعد الهمزة المكسورة والسين المنونة على وزن فعيل، وهذا وصف بالمصدر كقولهم عذير الحي والنذير والنكير، ونحو ذلك، وهي قراءة الأعرج ومجاهد وأهل الحجاز وأبي عبد الرحمن ونصر بن عاصم والأعمش وهي التي رجح أبو حاتم، ومنه قول ذي الأصبع العدواني: [مجزوء الكامل]
حنقا عليّ ولا أرى... لي منهما نشرا بئيسا
وقرى أهل مكة «بئيس» كالأول إلا كسر الباء على وزن فعيل قال أبو حاتم: هما لغتان، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه «بيئس» بفتح الباء وسكون الياء وفتح الهمزة على وزن فيعل ومعناه شديد، ومنه قول امرئ القيس بن عابس الكندي: [الرجز]
كلاهما كان رييسا بيئسا... يضرب في يوم الهياج القونسا