
ابن العلاء (١)، ويؤكد هذا الفرق ما قال عطاء: (كان يظهر على كل موضع من الحجر يضربه موسى -عليه السلام- مثل ثدي المرأة فيعرق أولاً ثم يسيل) (٢)، وباقي الآية مفسر (٣) في سورة البقرة.
١٦٣ - قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ﴾، قال أهل المعاني: (سلهم سؤال توبيخ على ما كان منهم في أمر القرية من فاحش الخطيئة (٤) وشنيع السيئة، والسؤال قد يكون للتقرير والتوبيخ، كما تقول لمن تلومه على جفائه: هل شتمتك؟ هل ضربتك؟ وأنت تعلم أنك لم تفعل، وإنما تسأله لتُقرره وتوبخه.
ومعنى سؤال النبي - ﷺ - أهل الكتاب عن هذه القرية، وقد أخبره الله بقصتها، تقريرهم بقديم كفرهم، وسلوكهم مسلك أسلافهم في المخالفة وارتكاب المعصية وأن يعلمهم ما لا يعلم إلا بكتاب أو وحي)، وهذا معنى قول المبرد (٥) والزجاج (٦) وغيرهما (٧)، وتلك القرية هي أيلة (٨) في رواية
(٢) ذكره الثعلبي ٦/ ١٢ أ.
(٣) انظر: "البسيط" البقرة: ٦٠.
(٤) في (ب): (الخطايا).
(٥) انظر: "ما اتفق لفظه واختلف معناه" للمبرد ص ٤٢.
(٦) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٨٤.
(٧) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٨٣ - ١٨٤، و"تأويل مشكل القرآن" ص ١٧٩، و"معاني النحاس" ٣/ ٩٢.
(٨) أيلة، بالفتح: مدينة على ساحل بحر القلزم -البحر الأحمر- مما يلي الشام، وقيل: هي مدينة عامرة في بلاد الشام بين الفسطاط ومكة على شاطئ بحر القلزم، انظر: "معجم البلدان" ١/ ٢٩٢.

عكرمة والوالبي عن ابن عباس (١)، وقال في رواية (٢) عطاء: (هي الطَبريَة) (٣). وهو قول الزهري (٤).
وقوله تعالى: ﴿الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾. الحضور نقيض الغيبة، أي: التي هي مجاورة البحر، وبقربه وعلى شاطئه (٥)، كقوله: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٦]. والحضرة (٦) قرب الشيء، تقول: كنت بحضرة الدار.
(٢) لم أقف عليه عن ابن عباس.
(٣) طبرية: مدينة في الأم من أعمال الأردن مطلة على بحيرة طبرية المشهورة، انظر: "معجم البلدان" ٤/ ١٧.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم ٥/ ١٥٩٧، والنحاس في "معانيه" ٣/ ٩٣، بسند جيد، وذكره الثعلبي ٦/ ١٢/ ب، والماوردي ٢/ ٢٧١، والمشهور أنها أيلة وهو قول الأكثر، فقد أخرجه الطبري ٩/ ٩٠ - ٩١، من طرق عن ابن عباس ومجاهد وعبد الله بن كثير والسدي وقتادة، وقال ابن أبي حاتم ٥/ ١٥٩٧: (وروى عن سعيد بن جبير والضحاك) اهـ، وزاد والماوردي ٢/ ٢٧١ نسبته إلى عكرمة، وزاد ابن الجوزي ٣/ ٢٧٦ نسبته إلى ابن مسعود والحسن، وحكاه الأزهري في "تهذيبه" ١/ ٢٣٣، عن الليث، وحكاه هود الهواري ٢/ ٥٣ عن الكلبي، وقال الرازي ١٥/ ٣٦: (الأكثرون على أن تلك القرية أيلة) اهـ، وهو اختيار ابن كثير ٢/ ٢٨٦، ورجح الطبري ٩/ ٩١: أنها مدينة حاضرة البحر دون تحديد، لعدم الدليل القاطع، وهذا هو الظاهر لوجود الخلاف في تحديدها، ولأنه لا يترتب على تحديدها كبير فائدة.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٩/ ٩١.
(٦) هذا قول الليث في "تهذيب اللغة" ١/ ٨٤٧، وانظر: "العين" ٣/ ١٠١، و"الجمهرة" ١/ ٥١٥، و"الصحاح" ٢/ ٦٣٢، و"مقاييس اللغة" ٢/ ٧٥، =

وقوله تعالى: ﴿إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ﴾. قال ابن عباس: (يريد: يصيدون الحيتان ويفعلون ما نهوا عنه) (١). والمعنى: إذ يظلمون في السبت، ومضى الكلام في هذا عند قوله: ﴿الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ﴾ (٢) [البقرة: ٦٥]، وقوله: ﴿لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ (٣) [النساء: ١٥٤]. وموضع ﴿إِذْ﴾ نَصْب؛ لأن المعنى: سلهم إذ عدوا (٤)، وحقيقة السؤال وقع عن الاعتداء لا عن القرية؛ لأن التوبيخ (٥) يقع به، وإنما ذكرت القرية لأنهم بها اعتدوا.
وقوله تعالى: ﴿إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ﴾. موضع ﴿إِذْ﴾ نصب أيضاً بـ"يعدون"، المعنى: سلهم إذ عدوا في وقت الإتيان (٦).
(١) ذكره الواحدي في "الوسيط" ٢/ ٢٥٧، وأخرج الطبري ٩/ ٩٢، ابن أبي حاتم ٥/ ١٥٩٨ والحاكم في "المستدرك" وصححه ٢/ ٣٢٢ - ٣٢٣ من عدة طرق جيدة نحوه.
وهو قول أهل اللغة والتفسير، انظر: "مجاز القرآن" ١/ ٢٣٠، و"غريب القرآن" لليزيدي ص ١٥١، و"تفسير غريب القرآن" ص ١٨٢، و"تفسير الطبري" ٩/ ٩٢، و"معاني الزجاج" ٢/ ١٨٤، النحاس ٣/ ٩٣، و"تفسير السمرقندي" ١/ ٥٧٧، و"تفسير المشكل" ص ٨٧
(٢) لفظ: (منكم) ساقط من (أ).
(٣) انظر: "البسيط" نسخة جستربتي ٢/ ٣٣ ب.
(٤) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٣٨٤، و"إعراب النحاس" ١/ ٦٤٥، و"المشكل" ١/ ٣٠٤.
(٥) انظر: "إعراب النحاس" ١/ ٦٤٥
(٦) هذا قول الزجاج في "معانيه" ٢/ ٣٨٤، وانظر: "البيان" ١/ ٣٧٦، و"التبيان" ١/ ٣٩٣، و"الفريد" ٢/ ٣٧٥، و"الدر المصون" ٥/ ٤٩٢.

وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا﴾. أي: ظاهرة على الماء، قاله الزجاج (١) وشرَّع جمع: شارع وشارعة.
قال شمر: (وكل شيء دان من شيء فهو شارع، ودار شارعة دنت من الطريق، ونجوم شوارع دنت من المغيب) (٢)، وعلى هذا الحيتان كانت تدنو من القرية بحيث يُمكنهم صيدها.
قال ابن عباس (٣) ومجاهد (٤) والمفسرون (٥): (إن اليهود أُمروا باليوم الذي أمرتم به، يوم الجمعة، فتركوه واختاروا السبت، فابتلوا به، وحُرّم عليهم فيه الصيد، وأمروا بتعظيمه إن أطاعوا لم يؤجروا (٦) وإن عصَوا
(٢) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٨٥٩، وانظر: "العين" ١/ ٢٥٢، و"الجمهرة" ٢/ ٧٢٧، و"الصحاح" ٣/ ١٢٣٦، و"المجمل" ٢/ ٥٢٦، و"مقاييس اللغة" ٣/ ٢٦٢، و"المفردات" ص ٤٥٠، و"اللسان" ٤/ ٢٢٣٩ (شرع).
(٣) أخرجه الطبري ٩/ ٩١، وابن أبي حاتم ٥/ ١٥٩٨، والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٣٢٢ - ٣٢٣، وصححه من عدة طرق جيدة عن ابن عباس نحوه.
(٤) "تفسير مجاهد" ١/ ٢٤٨، وذكره الرازي ١٥/ ٣٧، عن ابن عباس ومجاهد.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٩/ ٩١، وأخرجه ١٣/ ١٩٠ - ١٩٨، من طرق عن عبد الله بن مسعود والحسن وقتادة، وابن زيد، وأبي صالح ماهان الحنفي، وانظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٣٨٤، النحاس ٣/ ٩٣، و"تفسير السمرقندي" ١/ ٥٧٧، والثعلبي ٦/ ١٣ أ، والماوردي ٢/ ٢٧٢، وذكره الواحدي في "الوسيط" ٢/ ٢٥٧، و"الخازن" ٢/ ٣٠٢، عن المفسرين.
(٦) كذا في النسخ: (لم يؤجروا) وكذلك عند الثعلبي ٦/ ١٣/ أ، والأقرب أنه: (إن أطاعوا أجروا).

عُذّبوا، فإذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر، فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تر إلى السبت المقبل، بلاء ابتلوا به، فذلك معنى قوله: ﴿وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ﴾). يقال: سبتت اليهود، أي: قامت بأمر سبتها.
قال الفراء: (ومعنى ﴿يَسْبِتُونَ﴾ يفعلون سبتهم، ﴿وَيَوْمَ﴾ منصوب بقوله: ﴿لَا تَأْتِيهِمْ﴾) (١).
وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ﴾، في قوله: ﴿كَذَلِكَ﴾ وجهان ذكرهما الزجاج وابن الأنباري، أحدهما: قال الزجاج: (أي: مثل هذا الاختبار الشديد نختبرهم، وموضع (٢) الكاف نصب بنبلوهم) (٣).
وقال أبو بكر: (ذلك) إشارة إلى ما بعده يراد به: ﴿نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾، كذلك البلاء الذي وقع بهم في أمر الحيتان وينقطع الكلام عند قوله: ﴿لَا تَأْتِيهِمْ﴾ (٤).
الوجه الثاني: قال الزجاج: (ويحتمل على بُعدٍ أن يكون ﴿وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ﴾. أي: لا تأتيهم شرعًا، ويكون ﴿نَبْلُوهُمْ﴾ مستأنفًا) (٥).
(٢) في (أ): (فموضع).
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٨٥، وانظر: "إعراب النحاس" ١/ ٦٤٥.
(٤) انظر: "الإيضاح" لابن الأنباري ٢/ ٦٦٧، و"القطع" للنحاس ١/ ٢٦٤، و"المكتفى" للداني ص ٢٧٧.
(٥) في (ي): (وهم لا يسبتون)، وهو تحريف.