آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ

(وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣)
" الواو " عاطفة واصلة بين هذه الجصلة وما قبلها، و (السَّيِّئَاتِ) جمع سيئة، وهي ما يسوء الناس، وهو قبيح في ذاته (ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمنُوا) " ثم " هنا

صفحة رقم 2959

للترتيب والتراخي لبعد ما بين السيئة والتوبة؛ لأن السيئة فعل قبيح لَا يرضي الله - سبحانه وتعالى - والتوبة رجوع إلى الله، فالمنزلتان متباعدتان تباعد البعد من الله بالسيئات، والقرب منه بالتوبة، وقوله تعالى: (تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا) يوحي إلى أن التوبة لَا تكون بعيدة الزمن، كما قال تعالى: (إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ...).
(آمَنُوا)، أي أذعنوا للحق، فكأن التوبة لها ثلاث خطوات هي الشعور بالذنب والندم، ثم التوبة، ثم الإذعان لحقائق الإيمان بحيث لَا يعودون لمثلها أبدا.
وقد وعدهم الله تعالى بقبول التوبة فقال: (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)، أي إن ربك الذي خلقك وكونك من بعد هذه التوبة النصوح (لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) إن هذا بيان لقبول التوبة ببيان وصف قابلها، وهو أنه غفور للذنوب قابل للتوب، وأنه رحيم بعباده يريد لهم التوبة، ولا يريد لهم العقاب إلا أن يصروا إصرارا.
وفى هذا النص تأكيد بقبول التوبة بالتأكيد بالجملة الاسمية، وبوصف الربوبية، وبوصف الغفران والرحمة، وبـ " إن " وباللام في قوله: (لَغَفُورٌ رحِيمٌ).
وإن الله تعالى في القرآن الكريم حيث يذكر العقاب يذكر التوبة وقبولها حتى لَا ييئس المذنب من غفرانه، فينساق في معاصيه وهو يقنط من غفران الله ورحمته، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣).
* * *

صفحة رقم 2960

موسى بعد الغضب ينظم الدعوة للإيمان
(وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤) وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (١٥٥) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (١٥٦)
* * *
كان الغضب أمرا عارضا لموسى بسبب أن قومه انتهكوا حمى التوحيد، وأشركوا بالله، ولم يغب عنهم إلا أربعين ليلة، فاستطالوها وعجَّلوا به مخالفين أمر ربهم، وبعد أن هذا الغضب، إذ أقام أمر الله ونهيه، وقد كان سريع الفيئة كما روينا أي سريع الرضا، وكذلك شأن النبيين لَا يلج بهم الغضب؛ حتى لا يشغلوا عن الدعوة إلى الحق الذي بعثهم الله تعالى لإقامته.
وقوله تعالى:

صفحة رقم 2961
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية