آيات من القرآن الكريم

قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﱿ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ

أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ... الآية: مقالةٌ تتضمَّن إِغراء فرعون وتحريضَهُ، وقولُهم: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ، رُويَ أن فرعون كان في زمنه للناس آلهةٌ مِنْ بقرٍ، وأصنامٍ، وغير ذلك، وكان فرعونُ قَدْ شَرَع ذلك، وَجَعل نَفْسَه الإله الأَعلَى فقوله على هذا أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات: ٢٤] إنما يريدُ: بالنَّسْبة إِلى تلك المعبودات.
وقيل: إِن فرعون كان يعبد حَجَراً يعلِّقه في صَدْره. كأنه/ ياقوتَةٌ أو نحوها، وعن الحسنِ نحوه، وقوله: سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ، المعنى: سنستمرُّ عَلى ما كنا عليه مِنْ تعذيبهم، وقوله: وَإِنَّا فَوْقَهُمْ، يريد: في المنزلة، والتمكّن من الدنيا، وقاهِرُونَ: يقتضي تحقير أمرهم، أي: هم أقلُّ من أن يُهتمَّ بهم. قلت: وهذا من عَدُوِّ الله تجلُّدٌ، وإِلاَّ فقد قال فيما أخبر الله سبحانه به عنه: إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ [الشعراء: ٥٤، ٥٥، ٥٦].
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٢٨ الى ١٣٢]
قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨) قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩) وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١) وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢)
وقوله سبحانه: قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا... الآية: لما قال فرعونُ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ، وتوعدهم، قال موسى لبني إسرائيل، يثبتهم، ويعدهم عن اللَّه تعالى: اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ، والأرض هنا: أرضُ الدنيا، وهو الأظهرُ.
وقيل: المراد هنا أرضُ الجَنَّة، وأما في الثانية، فأرض الدنيا لا غير، والصَّبْرُ في هذه الآية: يعمُّ الانتظارَ الذي هو عبادةٌ، والصَّبْرَ في المناجزاتِ، والبأْسَ، وقولهم: أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا، يعنون به الذَّبْحَ الذي كان في المُدَّة التي كانَ فِرْعَون يتخوَّف فيها أنْ يولَدَ المولودُ الذي يُخَرِّبُ ملكه، وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنا، يعنون به وعيدَ فِرْعَونَ، وسائِرَ ما كان خلالَ تلك المدَّة، من الإخافة لهم.
وقال ابنُ عباس «١» والسدّيُّ «٢» : إنما قالت بنو إسرائيل هذه المقالة، حين اتّبعهم

(١) أخرجه الطبري (٦/ ٢٩) برقم: (١٤٩٨٤)، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٤٢).
(٢) أخرجه الطبري (٦/ ٢٩) برقم: (١٤٩٨٣) بنحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٤٢).

صفحة رقم 66

فرعون، واضْطَرَّهم إِلى البحر.
قال ع «١» : وبالجملة فهو كلامٌ يجري مع المعهودِ مِنْ بني إِسرائيل مِن اضطرابهم على أنبيائهم، وقلَّةِ يقينهم، واستعطاف موسى لهم بقوله: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ، ووعده لهم بالاستخلاف في الأرض، يدُلَّ على أنه يستدعي نفوساً نافرةً ويقوِّي هذا الظنَّ في جهة بني إِسرائيل سلوكُهم هذا السبيلَ في غَيْر مَا قصَّةٍ، وقوله:
فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ تنبيهٌ وحضٌّ على الاستقامة، ولقد استخلفوا في مِصْرَ في زمن دَاوُدَ وسليمانَ، وقد فتحوا بَيْتَ المَقْدِسِ مع يُوشَعَ.
وقوله سبحانه: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ، أي: بالجُدُوب والقُحُوطِ، وهذه سِيرَةُ اللَّه في الأممِ، وقوله: وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ، أي: حتى رُوِيَ أن النخلة مِنْ نخلهم لا تَحْمَلُ إِلا ثمرةً واحدةً، وقال نحوه رجاءُ بْنُ حَيْوَة «٢» وفعل اللَّه تعالى بهم هذا لينيبوا ويَزْدَجِرُوا عَمَّا هم عليه من الكُفْرِ إِذ أحوالُ الشدَّة ترقُّ معها القلوبُ، وترغبُ فيما عند اللَّه سبحانه.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ... الآية: كان القَصْدُ في إِصابتهم بِالقَحْط والنقْصِ في الثمراتِ أن ينيبوا ويرجعوا، فإذا هم قد ضَلُّوا، وجعلوها تشاؤماً بموسى، فكانوا إِذَا اتفق لهم اتفاق حسنٌ في غَلاَّت ونحوها، قالوا: هذه لنا، وبسببنا، وإذا نالهم ضُرٌّ، قالوا: هذا بسبب موسى وشُؤْمِهِ قاله مجاهد «٣» وغيره، وقرأ الجمهور «٤» «يَطَّيَّرُوا» - بالياء وشدِّ الطاء والياءِ الأخيرة-، وقرأ طلحةُ بنُ مُصَرِّفٍ «٥» وغيره: «تَطِيرُوا» - بالتاء وتخفيف الطاء-، وقرأ «٦» مجاهدٌ: «تَشَاءَمُوا بمُوسَى» - بالتاء من فوق- وبلفظ الشؤم.

(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٤٤٢).
(٢) أخرجه الطبري (٦/ ٢٩- ٣٠) برقم: (١٤٩٨٨)، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٤٣)، وابن كثير (٢/ ٢٣٩)، والسيوطي (٣/ ٢٠٢)، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.
(٣) أخرجه الطبري (٦/ ٣٠) برقم: (١٤٩٩٢)، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٤٣)، والسيوطي (٣/ ٢٠٢)، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٤٤٣)، و «البحر المحيط» (٤/ ٣٧٠)، و «الدر المصون» (٣/ ٣٢٧).
(٥) وهي قراءة عيسى بن عمر.
ينظر: «الشواذ» (٥٠)، و «المحرر الوجيز» (٢/ ٤٤٣)، و «البحر المحيط» (٤/ ٣٧٠)، و «الدر المصون» (٣/ ٣٢٧).
(٦) قال أبو حيان: فينبغي أن يحمل ذلك على التفسير لا على أنه قرآن لمخالفته سواد المصحف.
ينظر «البحر المحيط» (٤/ ٣٧٠)، و «المحرر الوجيز» (٢/ ٤٤٣).

صفحة رقم 67
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية