
لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف كل يد مع رجل تنكيلا بكم وتعذيبا، ثم لأصلبنكم على الخشب جميعا حتى تموتوا، وتكونوا عبرة وعظة لغيركم.
ولكنهم ردوا رد المؤمن الواثق قائلين: لا ضير علينا في هذا إن الأمر لله والمرجع إليه مهما طال العمر أو قصر، وإن الجسد فان، وإنا إلى ربنا منقلبون حتما، وما تفعلون بنا إلا تعجيل اللقاء المحتوم.
وما تكرهون منا؟ إنكم لا تكرهون منا إلا إيماننا بالله ورسوله لما جاءتنا البينات.
وظهرت أمامنا المعجزات، ونحن أدرى بمعرفة السحر وأثره، وقالوا: ربنا صب علينا صبرا يفيض كالماء، وثبت أقدامنا على صراطك المستقيم، وتوفنا مسلمين، فإنك أنت العزيز الحكيم.
ما كان من أمر فرعون وملئه مع موسى وقومه [سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٢٧ الى ١٢٩]
وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (١٢٧) قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨) قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩)

المفردات:
وَيَذَرَكَ: يتركك. نَسْتَحْيِي: نبقيهم أحياء.
المعنى:
ولما كان أمر السحرة ومن تبعهم من الناس حينما انضموا إلى موسى وآمنوا به على مشهد من الجموع المحتشدة، لما كان هذا يقض مضاجع فرعون وملئه قالوا لفرعون:
أتذر موسى وقومه أحرارا في الأرض يدعون لدينهم، ويكثر سوادهم ويتركك موسى مع آلهتك فلا يعبدونك ولا يعبدونها وفي هذا فساد للأرض، وذهاب للملك؟!! قال فرعون: سنقتل أبناءهم، ونستبقى نساءهم أحياء فلا يكثرون كما كنا نفعل قبل ولادة موسى ليعلموا أنا على هذا قادرون، وأنا فوقهم قاهرون وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ «١».
ولما سمع بنو إسرائيل خافوا فطمأنهم موسى وقال: استعينوا بالله وحده فهو القادر على كل شيء، واصبروا فالصبر سلاح المؤمن، واعلموا أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، واعلموا أن العاقبة للمتقين، والنصر للمؤمنين فليس كما يظن فرعون وقومه.
ولكن هذه الوصية لم تهدئ من روعهم فقالوا والأسى يحز في نفوسهم: أوذينا من قبل مجيئك، ومن بعد إرسالك، فقد كنا نسأم الخسف، ونذوق المر، وتقتل أولادنا ويسوموننا سوء العذاب، وها أنت ذا ترى اليوم ما نحن فيه!! قال موسى لهم: رجائي من الله- والله محققه إذا شاء- أن يهلك عدوكم ويجعلكم خلفاء في الأرض وسادة، وينظر كيف تعملون؟؟!