
وقوله تعالى: ﴿وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾. قال مجاهد: (مخلصين بالعبادة) (١)
وقال ابن كيسان: (أي: على دين موسى) (٢).
١٢٧ - قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ الآية. هذا إغراء من الملأ وتحريض لفرعون على موسى، وإنكار أن يتركه مقيماً على مخالفته.
قال سعيد بن جبير: (كان فرعون قد ملئ رعباً من موسى، وكان إذا رآه بال كما يبول الحمار، ولم يعلم قوم فرعون ذلك الرعب من فرعون، فأنكروا عليه خلاف عادة الملوك في السطوة لمن خالف عليهم، وشقِّ العصّا ولم يعلموا أنه غير قادر على قهره) (٣).
وقوله تعالى: ﴿لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾. قال ابن عباس: (يريد: يعبدوا الله ويوحدوه) (٤).
وقال غيره: (أراد بالإفساد في الأرض دعاؤهم الناس إلى مخالفة فرعون في عبادته وتجهيلهم إياه) (٥)، وهذا راجع إلى ما قاله ابن عباس؛ لأن عبادة الله وتوحيده تتضمن مخالفة فرعون وتجهيله.
وقوله تعالى: ﴿وَيَذَرَكَ﴾. قال ابن الأنباري: (إنه ينتصب على الصرف (٦) عن الأول، يراد به ﴿أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ وقد
(٢) لم أقف عليه.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) "تنوير المقباس" ٢/ ١١٩.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٩/ ٢٤، ٢٥، والسمرقندي ١/ ٥٦٢، والماوردي ٢/ ٢٤٨.
(٦) واو الصرف: هي واو المعية عند الكوفين. انظر: "معجم المصطلحات النحوية والصرفية" ص ١٢٥.

ترك أن يطيعك وأن يعبد ألهتك). وهذا قول الفراء (١)، واحتج على هذا بقراءة أبيّ: (أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض وقد تركوا أن يعبدوك) (٢).
قال أبو بكر: (وقال بعض النحويين: الواو نائبة عن الفاء، والتقدير: فيذرك وآلهتك) (٣)، وهذا قول أبي إسحاق، قال: (نصب ﴿وَيَذَرَكَ﴾ على جواب الاستفهام بالواو، والمعنى: أيكون منك أن تذر موسى وأن يذرك موسى) (٤). قال أبو بكر: (وحمله بعض الناس على إعراب (يُفسدوا)، وفي هذا بُعدٌ؛ لأن توحيده مع جمع (يفسدوا) يدل على انقطاعه منه) (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَآلِهَتَكَ﴾. قال أبو بكر: (كان ابن عباس ينكر قراءة العامة ويقرأ: (وإلاهتك) أي: عبادتك، ويقول: (٦) إن فرعون كان يُعبد
(٢) ذكر القراءة أيضًا عن أبي: أبو عبيد في "فضائل القرآن" ص ١٢٧، والطبري في "تفسيره" ٩/ ٢٥، والنحاس في "إعراب القرآن" ١/ ٦٣٢، وابن عطية ٦/ ٤٢، والقرطبي ٧/ ٢٦٢، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ٣٦٧، وجاء عند الجميع إلا النحاس: (وقد تركوك أن يعبدوك).
(٣) انظر: "الإيضاح" لابن الأنباري ٢/ ٦٦٣، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٢١، وانظر: "معاني القراءات" ١/ ٤١٩ - ٤٢٠.
(٤) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٦٧، وانظر: "إعراب النحاس" ١/ ٦٣٢.
(٥) قال ابن الأنباري في "الإيضاح" ٢/ ٦٦٣: (قال اليزيدي: ﴿وَيَذَرَكَ﴾ منصوب على معنى: ﴿لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ وليذرك وآلهتك) اهـ. وقال السمين في "الدر" ٥/ ٤٢٣: (في النصب وجهان: أظهرهما أنه على العطف على ﴿لِيُفْسِدُوا﴾، والثاني: النصب على جواب الاستفهام) اهـ.
(٦) أخرج الطبري ٩/ ٢٥، ٢٦، وابن أبي حاتم ٥/ ١٥٣٨ من طرق جيدة عن ابن عباس أنه قرأ: ﴿وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ بكسر الألف، وقال: (إنما كان فرعون يُعْبدَ ولا يَعْبُد) =

ولا يَعبد) (١)، وبه قرأ الضحاك وابن مسعود والشعبي وابن أبي إسحاق (٢).
قال الزجاج: (والمعنى: ويذرك وربوبيتك فـ (إلاهتك) بمنزلة ربوبيتك) (٣). وقرأ العامة ﴿وَآلِهَتَكَ﴾ على جمع إله مثل إزار وآزرة، وقد مرّ مستقصًى شرحه في أول الكتاب (٤)، وعلى هذه القراءة فقد روي عن ابن عباس أنه قال: (كان فرعون صنع لقومه أصناماً صغاراً، وأمرهم بعبادتها، وقال: أنا ربكم ورب هذه الأصنام، فذلك قوله: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ (٥) [النازعات: ٢٤]، ونحو ذلك قال الزجاج، فقال: (إن فرعون كان له أصنام يعبدها قومه تقرباً إليه) (٦).
(١) ذكره عن ابن الأنباري السمين في "الدر" ٥/ ٤٢٤، وانظر: "تفسير الرازي" ١٤/ ٢١١.
(٢) ذكرها الثعلبي في "الكشف" ٦/ ٧ ب، ٦/ ٨ أعن ابن مسعود وابن عباس وابن أبي إسحاق والضحاك والشعبي، وذكرها البغوي ٣/ ٢٦٧، و"الخازن" ٢/ ٢٧٣، عن ابن مسعود وابن عباس والشعبي والضحاك وذكرها عن ابن مسعود وابن عباس أكثرهم. انظر: "مختصر الشواذ" ص ٥٥، و"المحتسب" ١/ ٢٥٦، وابن عطية ٦/ ٤٣، وابن الجوزي ٣/ ٢٤٤، و"البحر" ٤/ ٣٦٧ وهي قراءة مجاهد كما أخرجه الطبري ٩/ ٢٦ بسند جيد.
(٣) لم أقف عليه في "معانيه"، وذكره عن الزجاج ابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ٢٤٤.
(٤) انظر: "البسيط" تفسير البسملة من الفاتحة.
(٥) ذكره الثعلبي في "الكشف" ٦/ ٧ ب، وابن الجوزي ٣/ ٢٤٤، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٢١ من رواية الكلبي عن ابن عباس.
(٦) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٦٧.