آيات من القرآن الكريم

وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ

(وقال الملأ من قوم فرعون أتذر) الاستفهام منهم للإنكار عليه أي أتترك (موسى وقومه ليفسدوا في الأرض) أي في مصر بإيقاع الفرقة وتشتيت الشمل (ويذرك) بياء الغيبة ونصب الراء هذه قراءة العامة، وفيها وجهان أظهرهما أنه على العطف على ليفسدوا، والثاني أنه منصوب على جواب الاستفهام كما ينصب في جوابه بعد الفاء.
والمعنى كيف يكون الجمع بين تركك موسى وقومه مفسدين، وبين تركهم إياك وعادة آلهتك، أي لا يمكن وقع ذلك وقرئ برفع الراء وفيها ثلاثة أوجه أظهرها أنه نسق على أتذر أي اتطلق له ذلك، والثاني أنه استئناف أخبار ذلك، الثالث أنه حال ولا بد من إضمار مبتدأ أي وهو يذرك، وقرئ بالجزم إما على التخفيف بالسكون لنقل الضمة أو على ما قيل في (وأكن من الصالحين) في توجيه الجزم، وقرئ بالنون والرفع والمعنى أنهم أخبروا عن أنفسهم بأنهم سيذرونك.
ْ (وآلهتك) اختلف المفسرون في معناها لكون فرعون كان يدعي الربوبية كما في قوله (ما علمت لكم من إله غيري) وقوله (أنا ربكم الأعلى) فقيل ومعنى آلهتك طاعتك وقيل معناه عبادتك، ويؤيده قراءة علي وابن عباس والضحاك:

صفحة رقم 433

وإلاهتك وفي حرف أبي ليفسدوا في الأرض وقد تركوك أن يعبدوك وقيل إنه كان يعبد بقرة، وقيل كان يعبد النجوم وقيل كان له أصنام يعبدها قومه تقرباً إليه فنسبت إليه، ولهذا قال (أنا ربكم الأعلى) قاله الزجاج، وقيل كان يعبد الشمس والكواكب.
والأقرب أن يقال: إن فرعون كان دهرياً منكراً لوجود الصانع فكان يقول مدبر هذا العالم السفلي هو الكواكب فاتخذ أصناماً على صورتها وكان يعبدها ويأمر بعبادتها، وكان يقول في نفسه إنه هو المطاع والمخدوم في الأرض فلهذا قال أنا ربكم الأعلى.
قال سعيد بن جبير ومحمد بن المنكدر: كان ملك فرعون أربعمائة سنة وعاش ستمائة وعشرين سنة لم ير مكروهاً قط ولو كان حصل له في تلك المدة جوع يوم أو حمى ليلة أو وجع ساعة لما ادعى الربوبية.
(قال) فرعون مجيباً لهم ومثبتاً لقلوبهم على الكفر (سنقتل) قرىء بالتشديد والتخفيف (أبناءهم ونستحي نساءهم) أي نتركهن في الحياة ولم يقل سنقتل موسى لأنه يعلم أنه لا يقدر عليه، قيل كان ترك القتل في بني إسرائيل بعد ما ولد موسى فلما جاء موسى بالرسالة وكان من أمره ما كان أعاد فيهم القتل.
(وإنا فوقهم قاهرون) أي مستعلون عليهم بالقهر والغلبة وهم تحت قهرنا وبين أيدينا، ما شئنا أن نفعله بهم فعلناه ففعلوا بهم ذلك، فشكا بنو إسرائيل.

صفحة رقم 434

قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩) وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠)

صفحة رقم 435
فتح البيان في مقاصد القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي
راجعه
عبد الله بن إبراهيم الأنصاري
الناشر
المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
15
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية