آيات من القرآن الكريم

وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا ۚ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ
ﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ

وقوله تعالى: فَوَقَعَ الْحَقُّ الآية، «وقع» معناه نزل ووجد، والْحَقُّ يريد به سطوع البرهان وظهور الإعجاز واستمر التحدي إلى الدين على جميع العالم، وما كانُوا يَعْمَلُونَ لفظ يعم سحر السحرة وسعي فرعون وشيعته.
والضمير في قوله فَغُلِبُوا عائد على «جميعهم» من سحرة وسعي فرعون وشيعته، وفي قوله وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ إن قدرنا انقلاب الجمع قبل إيمان السحرة فهم في الضمير وإن قدرناه بعد إيمانهم فليسوا في الضمير ولا لحقهم صغار يصفهم الله به لأنهم آمنوا واستشهدوا رضي الله عنهم.
وقوله تعالى: وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ الآيات، لما رأى السحرة من عظيم القدرة وما تيقنوا به نبوة موسى آمنوا بقلوبهم وانضاف إلى ذلك الاستهوال والاستعظام والفزع من قدرة الله تعالى فخروا سجدا لله تعالى متطارحين وآمنوا نطقا بألسنتهم، وتبينهم الرب بذكر موسى وهارون زوال عن ربوبية فرعون وما كان يتوهم فيه الجهال من أنه رب الناس، وهارون أخو موسى أسن منه بثلاث سنين، وقول فرعون قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ دليل على وهن أمره لأنه إنما جعل ذنبهم مفارقة الإذن ولم يجعله نفس الإيمان إلا بشرط، وقرأ عاصم في رواية حفص عنه في كل القرآن «آمنتم» على الخبر، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر «آمنتم» بهمزة ومدة على الاستفهام وكذلك في طه والشعراء، وقرأ حمزة والكسائي في الثلاثة المواضيع «أآمنتم» بهمزتين الثانية ممدودة، ورواها الأعمش عن أبي بكر عن عاصم، وقرأ ابن كثير في رواية أبي الأخريط عنه «وآمنتم» وهي على ألف الاستفهام إلا أنه سهلها واوا فأجرى المنفصل مجرى المتصل في قولهم تودة في تؤدة، وقرأ قنبل عن القواس «وآمنتم» وهي على القراءة بالهمزتين «اآمنتم» إلا أنه سهل ألف الاستفهام واوا وترك ألف أفعلتم على ما هي عليه، والضمير في بِهِ يحتلم أن يعود على اسم الله تعالى، ويحتمل أن يعود على موسى عليه السلام، وعنفهم فرعون على الإيمان قبل إذنه ثم ألزمهم أن هذا كان على اتفاق منهم، وروي في ذلك عن ابن عباس وابن مسعود: أن موسى اجتمع مع رئيس السحرة واسمه شمعون فقال له موسى: أرأيت إن غلبتكم أتؤمنون بي فقال له نعم، فعلم بذلك فرعون، فلذلك قال إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ ثم قال للسحرة لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ الآية، فرجع فرعون في مقالته هذه إلى الخذلان والغشم وعادة ملوك السوء إذا غولبوا، وقرأ حميد المكي وابن محصن ومجاهد «لأقطعن» بفتح الهمزة والطاء وإسكان القاف، «ولأصلبن» بفتح الهمزة وإسكان الصاد وضم اللام، وروي بكسرها، ومِنْ خِلافٍ معناه يمنى ويسرى.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر من هذه الآيات أن فرعون توعد وليس في القرآن نص على أنه أنفذ ذلك وأوقعه، ولكنه روي أنه صلب بعضهم وقطع، قال ابن عباس: فرعون أول من صلب وقطع من خلاف، وقال ابن عباس وغيره فيهم: أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء، وأما التوعد فلجميعهم.
قوله عز وجل:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٢٥ الى ١٢٧]
قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥) وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (١٢٦) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (١٢٧)

صفحة رقم 440

هذا تسليم من مؤمني السحرة، واتكال على الله، وثقة بما عنده.
وقرأ جمهور الناس «تنقم» بكسر القاف، وقرأ أبو حيوة وأبو البرهسم وابن أبي عبلة والحسن بن أبي الحسن «تنقم» بفتحها وهما لغتان، قال أبو حاتم: الوجه في القراءة كسر القاف، وكل العلماء أنشد بيت ابن الرقيات: ما نقموا من بني أمية، بفتح القاف ومعناه وما تعد علينا ذنبا وتؤاخذنا به؟ وقولهم أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً معناه عمنا كما يعم الماء من أفرغ عليه، وهي هنا مستعارة، وقال ابن عباس: لما آمنت السحرة اتبع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل، وحكى النقاش عن مقاتل أنه قال: مكث موسى بمصر بعد إيمان السحرة عاما أو نحوه يريهم الآيات.
وقول ملأ فرعون أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ مقالة تتضمن إغراء فرعون بموسى وقومه وتحريضه على قتلهم أو تغيير ما بهم حتى لا يكون لهم خروج عن دين فرعون، ومعنى أَتَذَرُ مُوسى: أتترك، وقرأ جمهور الناس «ويذرك» بفتح الراء، ونصبه على معنيين: أحدهما أن يقدر «وأن يذرك» فهي واو الصرف فكأنهم قالوا أتذره، وأن يذرك أي أتتركه وتركك، والمعنى الآخر أن يعطف على قوله لِيُفْسِدُوا وقرأ نعيم بن ميسرة والحسن بخلاف عنه «ويذرك» بالرفع عطفا على قولهم أَتَذَرُ، وقرأ الأشهب العقيلي «ويذرك» بإسكان الراء وهذا على التحقيق من يذرك، وقرأ أنس بن مالك «وينذرك» بالنون ورفع الفعل على معنى توعد منهم أو على معنى إخبار أن الأمر يؤول إلى هذا، وقرأ أبي بن كعب وعبد الله «في الأرض» وقد تركوك أن يعبدوك وآلهتك»، قال أبو حاتم وقرأ الأعمش «وقد تركك وآلهتك»، وقرأ السبعة وجمهور من العلماء «وآلهتك» على الجمع.
قال القاضي أبو محمد: وهذا على ما روي أن فرعون كان في زمنه للناس آلهة من بقر وأصنام وغير ذلك، وكان فرعون قد شرع ذلك وجعل نفسه الإله الأعلى، فقوله على هذا أنا ربكم الأعلى، إنما هو بمناسبة بينه وبين سواه من المعبودات.
وقيل: إن فرعون كان يعبد حجرا كان يعلقه في صدره كياقوتة أو نحوها، قال الحسن: كان لفرعون حنانة معلقة في نحره يعبدها ويسجد لها، وقال سليمان التيمي: بلغني أنه كان يعبد البقر، ذكره أبو حاتم وقرأ ابن عباس وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وأنس بن مالك وجماعة وغيرهم، وَآلِهَتَكَ أي وعبادتك والتذلل لك، وزعمت هذه الفرقة: أن فرعون لم يبح عبادة شيء سواه وأنه في قوله: الأعلى إنما أراد:
الأعظم والأكبر دون مناسبة، قال ابن عباس: كان فرعون يعبد ولا يعبد، وقرأ ابن كثير «سنقتل» بالتخفيف و «يقتّلون» بالتشديد وخففهما جميعا نافع وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: «يقتّلون» و «سنقتّل» بالتشديد على المبالغة، والمعنى سنستمر على ما كنا عليه من تعذيبهم وقطعهم.
وقوله تعالى: وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ يريد في المنزلة والتمكن من الدنيا، وقاهِرُونَ يقتضي تحقير أمرهم أي هم أقل من أن يهتم بهم.

صفحة رقم 441
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية