آيات من القرآن الكريم

وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ
ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽ

ولقد وجد الله أكثر الناس فاسقين خارجين عن الطاعة والامتثال. وفي التعبير بالأكثر إشارة إلى أن بعضهم قد آمن، ونفد كل عهد مع الله أو مع الناس.
ومخالفة عهد الفطرة السليمة القائم على الإقرار بتوحيد الله وأنه لا إله إلا هو، وعبادة غيره بلا دليل ولا حجة من عقل ولا شرع، كان كلاهما بتأثير البيئة والتقاليد الموروثة الباطلة.
جاء في صحيح مسلم: «يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم»
وفي الصحيحين: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصّرانه، أو يمجّسانه».
بعثة موسى عليه السلام إلى فرعون
إثبات نبوته بالمعجزة
بعث الله تعالى موسى عليه السلام رسولا إلى فرعون وقومه في مصر، بعد بعثة لفيف من الأنبياء السابقين، مثل نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام، وأيده ربه كما أيدهم بالآيات، أي الحجج والبينات الدالة على صدق النبوة وصحة الرسالة الإلهية، لأن كل رسول يتطلب برهانا يظهره للناس يدل على أنه نبي مرسل، وذلك البرهان هو المعروف بالمعجزة التي قد تكون واحدة أو أكثر، وهذه بعض معجزات موسى عليه السلام في القرآن المجيد، قال الله تعالى:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٨]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣) وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (١٠٧)
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨)
«١» «٢»

(١) فكفروا بالآيات.
(٢) حريص على.

صفحة رقم 701

«١» [الأعراف: ٧/ ١٠٣- ١٠٨].
هذه بداية قصة موسى عليه السلام، بدأت بتكليف إلهي هي تبليغ رسالة الله ودعوته إلى فرعون وقومه ليوحدوا الله، وبدء البعثة لكل رسول بداية عهد جديد في حياته، وانتقال من كونه شخصا عاديا إلى صيرورته نبيا ورسولا مبلغا أوامر الله ونواهيه إلى الناس. أرسل الله تعالى موسى عليه السلام رسولا بالآيات والمعجزات الدالة على صدقه ورسالته إلى فرعون وملئه فظلموا بها وكفروا، والظلم والكفر مقترنان عادة، إنهم ظلموا أنفسهم وغيرهم بالتنكر لرسالة الله والإعراض عنها، وصد الناس أيضا عنها، فكان طبيعيا أن يحذّر الله تعالى من عاقبة المفسدين الظالمين، وجعلهم مثالا يتوعد به كفرة عصر النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم وما بعده من العصور والدهور.
ابتدأ موسى عليه السلام حوارة مع فرعون بإعلان واضح أنه رسول مرسل من رب العالمين. وفرعون: اسم كل ملك لمصر في زمان غابر، في عهد الفراعنة، كالنمارذة في اليونان، وقيصر في الروم، وكسرى في فارس، والنجاشي في الحبشة.
تابع موسى قوله مع فرعون لإثبات صدقه في رسالته قائلا: جدير بي ألا أقول على الله إلا الحق، فإن الرسول لا يكذب على الله الذي بيده ملكوت كل شيء، لذا فإني لا أخبر عن الله إلا بما هو حق وصدق، لما أعلم من جلاله وعظيم شأنه، قد جئتكم يا قوم ببينة وحجّة من ربكم، لا من نفسي، بل من الرب سبحانه الواحد الأحد رب السماوات والأرض، ورب فرعون وهامان، وربي هو الذي أمرني بهذه الدعوة إليكم، فأرسل يا فرعون معنا بني إسرائيل، ولا تعذبهم.

(١) ظاهر أمره لا يشك فيه. [.....]

صفحة رقم 702

فأجابه فرعون بقوله: إن كنت يا موسى مؤيدا بآية أو معجزة من عند ربك، فأظهرها لنراها، إن كنت صادقا فيما ادعيت.
فأجابه موسى على الفور بالفعل لا بالقول، فألقى موسى عصاه، فإذا هي ثعبان ظاهر واضح يتحرك، ويسير من مكان إلى مكان، وهمّ بفرعون فهرب منه. وأخرج موسى يده من جيب قميصه بعد ما أدخلها فيه، فإذا هي بيضاء تتلألأ من غير برص ولا مرض كالشمس المضيئة، كما قال الله تعالى في آية أخرى: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢) [النمل: ٢٧/ ١٢].
ولا داعي للاسترسال في أوصاف الثعبان والعصا واليد بأكثر مما دلت عليه الآيات القرآنية، إذ ليس لها سند يوثق به، وإنما هي من الروايات الإسرائيلية التي دسّها بعض الدخلاء غير المتورعين ولا المتدققين، مثل كعب الأحبار الإسرائيلي، ووهب بن منبّه الفارسي الأصل.
والمهم أن انقلاب العصا ثعبانا عظيما، وتحول اليد العضوية إلى قوة إشعاعية كالشمس المضيئة معجزة لموسى عليه السلام، تخرس الألسنة، وتثبت رسالته، وهي تفوق كل ما عرف في الأوساط الشعبية من السحر، والعلمية من الطب وعلوم الفيزياء العادية والنووية، وكل ذلك بقدرة الله عز وجل وإرادته وخلقه، والله على كل شيء قدير.
الاحتكام للسحر والسحرة
بعد أن أظهر موسى عليه السلام معجزته بانقلاب العصا حية أو ثعبانا عظيما، واليد ذات قوة إشعاعية كالشمس المضيئة، بعد هذا فهم فرعون وقومه أن معجزة موسى لون من ألوان السحر، فحشد فرعون جماعة السحرة المهرة لإبطال ادعاءات

صفحة رقم 703
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية