
قال ابن عباس: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ﴾، أو لم يستبن لهم.
وقال ابن زيد: أو لم يتبين لهم.
وأكثرهم على أن المعنى: أو لم يَبِنْ لهم؛ لأن أصل الهدى: البيان.
قوله: ﴿تِلْكَ القرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا﴾، إلى قوله: ﴿لَفَاسِقِينَ﴾.
والمعنى: تلك القرى، يا محمد، نقص عليك من أخبارها، وهو ما تقدم ذكره: من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب، لتعلم أنا ننصر رسلنا.
ثم قال (الله) تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات﴾.
أي: ولقد جاءت أهل القرى رسلهم، بالحجج [البينات].
وقوله: ﴿فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ﴾.

أي: فما كان هؤلاء المشركون الذين أهلكناهم ليؤمنوا عند إرسالنا إليهم، ﴿بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ﴾، أي: بما كذبوا يوم أخذ عليهم الميثاق حين أخرجهم من ظهر آدم، (عليه السلام).
قال مجاهد: المعنى: ليس يؤمنوا، ﴿بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ﴾، أي: من قبل هلاكهم، أي: لو رُدُّوا إلى الدُّنيا بعد هلاكهم لم يؤمنوا بما كذبوا من قبل هلاكهم، مثل: ﴿وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٨].
وقال الربيع بن أنس: كان في علمه ( تعالى) يوم أقروا بالميثاق أنهم لا يؤمنون.

وقال السدي: ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرهاً، فلم يكونوا ليؤمنوا الآن حقيقة.
وقوله: ﴿كذلك يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين﴾.
أي: كما طبعنا على قلوب هؤلاء الذين أهلكوا ولم يؤمنوا، كذلك نطبع على قلوب المعتدين من أمتك يا محمد، أي: نختم عليها فلا يؤمنوا لما تقدم في عمله منهم. وهذا إخبار [من] الله (تعالى) لنبيه (عليه السلام) عن قوم من أمته [أنهم] لا يؤمنون أبداً، كما قال لنوح (عليه السلام): ﴿أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦]، وكما قال لمحمد ﷺ،: ﴿ إِنَّ الذين كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٦].
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ﴾.
أي: ما وجدنا لهؤلاء المهلكين " عهداً "، أي: وفاء بما وصيناهم به، وما

وجدنا أكثرهم فاسقين.
مذهب الفراء: أنَّ ﴿إِنْ﴾ بمعنى: " ما "، و " اللام " بمعنى إلا.
ومذهب سيبويه أنها " إنْ " المخففة [من الثقيلة)، ودخلت " اللام " لئلا تشتبه " إِنْ " التي بمعنى: ما.
وقال بعض البصريين: دخلت " إنْ " و " اللام " على معنى التأكيد واليمين. وتدخل " إِنْ " هذه على الأفعال أيضاً، [تقول]: إِنْ ظَنَنْتُ زيداً لقائماً.
ومعنى ﴿لَفَاسِقِينَ﴾،: خارجين عن طاعة الله.