
قوله تعالى: ﴿تِلْكَ القرى نَقُصُّ﴾ : قال الزمخشري: كقوله ﴿وهذا بَعْلِي شَيْخاً﴾ [هود: ٧٢] في كونه مبتدأً وخبراً وحالاً «يعني أن» تلك «مبتدأٌ مشارٌ بها إلى ما بعدها، و» القرى «خبرها، و» نقصُّ «حال أي قاصّين كقوله: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً﴾ [النمل: ٥٢]. قال الزمخشري:» فإن قلت: ما معنى «تلك القرى» حتى يكون كلاماً مفيداً؟ قلت: هو مفيد ولكن بالصفة في قولك: «هو الرجلُ الكريم». قلت: يعني أن الحالَ هنا لازمةٌ ليفيدَ التركيب، كما تلزم الصفة في قولك: «هو الرجل الكريم» ألا ترى أنك لو اقتصرت على «هو الرجل» لم يكن مفيداً، ويجوز أن تكون «القرى» صفةً/ لتلك، و «نقصُّ» الخبر، ويجوز أن يكون «نَقُصُّ» خبراً بعد خبر. و «نقصُّ» يجوز أن يكون على حاله من الاستقبال أي: قد قَصَصْنا عليك من أنبائها ونحن نقصُّ عليك أيضاً بعضَ أنبائها، وأُشير بالبعد تنبيهاً على بُعد هَلاكِها وتقادُمِه عن زمن الإِخبار فهو من الغيب. وفي قوله «القرى» بأل تعظيمٌ كقوله تعالى: «ذلك
صفحة رقم 397
الكتابُ»، وقول الرسول عليه السلام: «أولئك الملأُ من قريش» وقول أمية:
٢٢٥٤ - تلك المكارمُ لا قَعْبانِ من لبنٍ | شِيبا بماءٍ فعادا بعدُ أبوالا |
قوله: ﴿فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ﴾ الظاهر أن الضمائرَ كلَّها عائدةٌ على أهل القرى، وقال يمان بن رئاب: «إن الضميرين الأوَّلَيْن لأهل القرى، والضمير في» كذَّبوا «لأسلافهم». وكذا حَرَّر ابن عطية أيضاً أي: فما كان الأبناء ليؤمنوا بما كذَّب به الآباء وقد تقدَّم الكلامُ على لام الجحود وأنَّ نَفْيَ الفعل معها أبلغ. و «ما» موصولةٌ اسميةٌ، وعائدُها محذوفٌ لأنه منصوب متصل أي: بما كذَّبوه. ولا يجوز أن يُقَدَّر «به» وإن كان الموصولُ مجروراً بالباء أيضاً لاختلاف المتعلَّق.
وقال هنا ﴿بِمَا كَذَّبُواْ﴾ فلم يذكر متعلق التكذيب، وفي يونس ذكره فقال: ﴿بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ﴾ [يونس: ٧٤]، والفرق أنه لمَّا حذفه في قوله ﴿ولكن كَذَّبُواْ﴾ [الأعراف: ٩٦] استمرَّ صفحة رقم 398

حَذْفُه بعد ذلك، وأمَّا في يونس فقد أبرزه في قوله ﴿فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ﴾ [يونس: ٧٤] ﴿كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ [يونس: ٧٣] فناسب ذكرَه موافقةٌ. قال معناه الكرماني.
قوله: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله﴾ أي: مثلَ ذلك الطبعِ على قلوب أهل القرى المنتفي عنهم الإِيمانُ يطبعُ الله على قلوب الكفرة الجائين بعدهم.