
وثقله عليهم وحق لميزان يوضع فيه الحق غدا ان يكون ثقيلا وانما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل فى الدنيا وخفته عليهم وحق لميزان ان يوضع فيه الباطل غدا ان يكون خفيفا قلت لعل المعنى وحق لميزان اى كفة الحسنات ان يوضع فيه الباطل يعنى العقائد والأعمال التي يراها العامل حسنات وهى عند الله كفريات وبدعات وقبائح ان يكون خفيفا فانها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده قوفاه حسابه والله اعلم.
وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ اى اقدرناكم على سكناها وزرعها والتصرف فيها وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ جمع معيشة اى أسبابا تعيشون بها ايام حياتكم من الزرع والضرع والمآكل والمشارب والتجارات والمكاسب قَلِيلًا ما اى شكرا قليلا او فى زمان قليل تَشْكُرُونَ فيما صنعت لكم.
وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ يعنى قدرناكم فى العلم فى المرتبة الأعيان الثابتة ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ يعنى أباكم آدم نزل تصويره منزلة تصويرا لكل وابتدأنا خلقكم ثم تصويركم بان قدرنا آدم وصورناه وذلك ابتداء تقديركم وتصويركم وقال ابن عباس خلقناكم اى أصولكم واباءكم ثم صورناكم فى أرحام أمهاتكم كذا قال قتادة والضحاك والسدى وقال مجاهد خلقنكم يعنى آدم ذكره بلفظ الجمع لانه ابو البشر فخلقه خلق من يخرج من صلبه ثم صورناكم فى ظهر آدم وقيل صورناكم يوم الميثاق حين أخرجكم كالذر وقال عكرمة خلقنكم فى أصلاب الرجال ثم صورناكم فى أرحام النساء وقال يمان خلق الإنسان فى الرحم ثم صوره فشق سمعه وبصره وأصابعه وقيل كلمة ثم بمعنى الواو والمعنى خلقكم وصوركم فان بعض المخلوقات كالارواح لا صورة لها ثُمَّ قُلْنا ان كان المراد بضمير الخطاب آدم وحده فلا كلام فيه وان كان المراد الذرية فقيل كلمة ثم بمعنى الواو وقيل معناه ثم اخبرناكم انا قلنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قد ذكرنا شرح الاية فى سورة البقرة لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ قالَ الله تعالى يا إبليس ما مَنَعَكَ يعنى اى شىء منعك أَلَّا تَسْجُدَ اى من ان تسجد ولا زائدة كما فى لئلا يعلم موكدة لمعنى الفعل الذي دخلت عليه ومنبهة على ان الموبخ عليه ترك السجود وقيل الممنوع من الشيء مضطر الى خلافه فكانه قيل ما اضطرك الى ان لا تسجد وجاز ان يكون تقدير الكلام ما منعك من الامتثال وبعثك على ان لا تسجد إِذْ أَمَرْتُكَ بالسجدة فيه دليل على ان مطلق الأمر للوجوب

والسؤال عن المانع من السجود مع العلم به للتوبيخ واظهار معاندته وكفره واستكباره قالَ إبليس أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ جواب من حيث المعنى استأنف به استبعادا لان يكون مثله مامورا بالسجود لمثله كانه قال المانع منه كونى خيرا منه ولا يحسن للفاضل ان يسجد للمفضول فلا يحسن ان يؤمر به ففى الكلام اعتراض على الله سبحانه فى الأمر بالسجود خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ جوهر نورانى مستعل وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ جوهر ظلمانى مستسفل قال ابن عباس أول من قاس إبليس فاخطأ فى القياس فمن قاس الدين بشئ من رايه قرنه الله مع إبليس وقال ابن سيرين ما عبدت الشمس الا بالمقايس قلت وليس فى هذين القولين ابطال القياس بل تخطيته لقياسه فانه قياس فى مورد النص ولذلك قال من قاس الدين بشئ من رايه يعنى على خلاف النصوص الواردة وايضا تعليل الفصل والخيرية بالاضاءة والاستعلاء باطل انما الفضل بيد الله يوتيه من يشاء وقد فضل الله تعالى آدم على جميع خلقه حيث خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وجعله مستعد التعلم أسمائه كلها ومهبطا لتجلياته ومتقربا من الله تعالى بالفرائض والنوافل بامتثال أوامره والانتهاء عن مناهيه ومتحملا لامانته التي أشفقت عنها السموات والأرض والجبال فان قيل الخطأ فى الاجتهاد معفو قلنا انما ذلك إذا كان القائس طالبا للحق باذلا جهده فى طلبه لا إذا كان متعنتا باغيا استعلاء نفسه والزام الخصم الا ترى ان قول الملئكة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ايضا قياس فيه خطأ ولذا رد الله تعالى قولهم بقوله انى اعلم ما لا تعلمون ولم يردهم أنفسهم حيث لم يصدر ذلك القول منهم استكبارا وتعنتا بل لطلب الحق واستعلام الحكمة ولذلك قالوا عند ظهور الحكمة سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم قالت الحكماء للطين فضل على النار من وجوه فان من جوهر الطين الرزانة والوقار والحلم والصبر وهو الداعي لادم بعد السعادة التي سبقت له الى التوبة والتواضع والتضرع فاورثه الاحتباء والتوبة والهداية ومن جوهر النار الخفة والطيش والحدة والارتفاع وهو الداعي لابليس بعد الشقاوة التي سبقت له الى الاستكبار والإصرار فاورثه اللعنة والشقاوة ولان الطين سبب لجمع الأشياء والنار سبب لتفرقها ولان الطين سبب لحيوة النبات والنار سبب لهلاكها واضافة خلق الإنسان الى الطين والشيطان الى النار باعتبار
صفحة رقم 332