
قوله تعالى: ﴿وجَعَلْنا لكم﴾ : يجوز أن تكون بمعنى «خلق» فتتعدَّى لواحد فيتعلَّق الجارَّان بالجَعْل، أو بمحذوفٍ على أنهما حالان مِنْ «معايش» لأنهما لو تأخرا لجاز أن يكونا وصفين. ويجوز أن تكونَ التصييرية فتتعدَّى لاثنين أولهما «معايش»، والثاني أحد الجارَّين، والآخر: إمَّا حال فيتعلق بمحذوف، وإمَّا متعلق بنفس الجعل/ وهو الظاهر.
ومعايش جمع معيشة وفيها ثلاثة مذاهب، مذهب سيبويه والخليل: أن وزنها مَفْعُلة بضم العين أو مَفْعِلة بكسرها، فعلى الأول جُعِلت الضمةُ كسرةً ونُقِلَتْ إلى فاء الكلمة. وقياس قول الأخفش في هذا النحو أن يُغَيَّر الحرفُ لا الحركةُ، فمعيشة عنده شاذة إذ كان ينبغي أن يُقال فيها مَعُوشة. وأما على قولنا إن أصلها مَعْيِشة بكسر العين فلا شذوذَ فيها. ومذهب الفراء أنَّ وزنها مَفْعَلة بفتح العين وليس بشيء. والمعيشة اسمٌ لما يُعاشُ به أي يُحْيا، وهي في الأصل مصدرٌ لعاش يعيش عَيْشاً وعِيْشة قال تعالى: ﴿فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٢١]

ومعاشاً: قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً﴾ ومَعِيشاً قال رؤبة:
٢١٤١ - إليك أشكو شِدَّةَ المعيشِ | وجُهْدَ أعوامٍ نَتَفْنَ ريشي |

٢١٤٢ - وإنِّي لَقَوَّامٌ مَقَاوِمَ لم يكن | جريرٌ ولا مَوْلَى جريرٍ يقومُها |
٢١٤٣ - بِوادٍ لا أنيسَ به يَبابٍ | وأَمْسِلةٍ مَذانِبُها خَلِيفُ |
قلت: وهذه القراءة لم ينفرد بها نافع بل قرأها جماعة جِلَّةٌ معه، فإنها منقولةٌ عن ابن عامر الذي قرأ على جماعة من الصحابة كعثمان وأبي الدرداء ومعاوية، وقد سبق ذلك في الأنعام، وقد قرأ بها قبل ظهور اللحن وهو عربي صريح. وقرأ بها أيضاً زيد بن علي وهو على جانب من الفصاحةِ والعلمِ الذي لا يدانيه إلا القليلُ. وقرأ بها أيضاً الأعمشُ والأعرجُ وكفى بهما في الإِتقان والضبط. وقد نقل الفراء أن قَلْبَ هذه الياء تشبيهاً لها بياء صحيفة قد جاء وإنْ كان قليلاً. صفحة رقم 259

وقوله: ﴿قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾ كقوله: ﴿قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٣].
صفحة رقم 260