
من نباتها وشجرها، وحملت الجبال عن أماكنها. فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً يعني: فضربت على الأرض مرة واحدة وهذا قول مقاتل، وقال الكلبي: يعني: رفعت الأرض والجبال فزلزلتا زلزلة واحدة. ويقال: فدكتا دكة واحدة أي: كسرتا كسرة واحدة. فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ يعني: في ذلك اليوم قامت القيامة. وَانْشَقَّتِ السَّماءُ يعني: انفرجت السماء بنزول الملائكة. فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ يعني: ضعيفة منشقة متمزقة من الخوف.
وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها يعني: الملائكة على نواحيها وأطرافها، يعني: صفوف الملائكة حول العرش وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يعني: فوق الخلائق. يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ يعني: ثمانية أجزاء من المقربين، لا يعلم كثرة عددهم إلا الله. وروى عطاء بن السائب، عن ميسرة في قوله: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ يعني: ثمانية من الملائكة، أرجلهم في تخوم الأرض السابعة وقال وهب بن منبه: أربعة من الملائكة يحملون العرش على أكتافهم، لكل واحد منهم أربعة وجوه: وجه ثور، ووجه أسد، ووجه إنسان. روى الأحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب في قوله تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١٨ الى ٣٧]
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢)
قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧)
مَا أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢)
إِنَّهُ كانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (٣٧)
ثم قال عز وجل: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ أي: تساقون إلى الحساب والقصاص وقراءة الكتب ويقال: تُعْرَضُونَ على الله تعالى، كقوله: عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا
[الكهف: ٤٨] ثم قال: لاَ تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ يعني: لا يخفى على الله منكم ولا من أعمالكم شيء. قرأ

حمزة، والكسائي لاَ يخفى، والباقون بالتاء بلفظ التأنيث، لأن لفظ خافية مؤنث. ومن قرأ بالياء، انصرف إلى المعنى يعني: لا يخفى منكم خاف، والهاء ألحقت للمبالغة.
ثم قال عز وجل: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ يعني: كتابه الذي عمله، فرأى فيه الحسنات فسر بذلك، فَيَقُولُ لأصحابه: هاؤُمُ يعني: تعالوا اقْرَؤُا كِتابِيَهْ. قال القتبي: هاؤُمُ في اللغة بمنزلة خذ وتناول ويقال للاثنين: هاؤما، وللجماعة هاؤموا.
والأصل هاكم، فحذفوا الكاف وأبدلوها همزة. وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة قال:
بلغني أنهم يعرضون ثلاث عرضات. فأما عرضتان، فهما الخصومات والمعاذير. وأما الثالثة، فتطاير الصحف في الأيدي. وروى عبد الله بن مسعود نحو هذا. ثم قال: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ يعني: أيقنت وعلمت أني أحاسب. قال الله تعالى: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ يعني: في عيش مرضي، فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ يعني: مرتفعة. قُطُوفُها دانِيَةٌ يعني: اجتناء ثمارها قريب، يعني: شجرها قريب يتناوله القائم والقاعد، فيقال لهم: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً يعني: كلوا من ثمار الجنة واشربوا من شرابها هنيئا يعني: طيباً بلا داء، ويقال: حلال لا إثم فيه. بِما أَسْلَفْتُمْ يعني: بما عملتم وقدمتم فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ يعني: في الدنيا. ويقال:
بما عملتم من الأعمال الصالحة في الأيام الماضية، يعني: في الدنيا.
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ روي عن ابن عباس أنه قال: الآية الأولى نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد، وهذه الآية في الأسود بن عبد الأسد، ويقال: في جميع المؤمنين وفي جميع الكفار. فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ يعني: لم أعط كتابيه، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسابِيَهْ يعني: لم أعلم ما حسابي. قوله تعالى: يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ، يا ليتني تركت على الموتة الأولى بين النفختين، ويقال: يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ يعني: المنية. قال مقاتل: يتمنى الموت. مَا أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ يعني: ما أرى ينفعني مالي الذي جمعت في الدنيا. هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ يعني: بطل عني عذرِي وحجتي.
يقول الله تعالى: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ يعني: بالأغلال الثّقال. ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ يعني:
أدخلوه. ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ يعني: أدخلوه في تلك السلسلة. إِنَّهُ كانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ يعني: لا يصدق بالله العظيم. وَلا يَحُضُّ يعني: لا يحث نفسه ولا غيره عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ يعني: لا يطعم المسكين في الدنيا. فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ يعني: قريب يمنع منه شيئاً، يعني: أحداً يمنع من العذاب. وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ يعني: ليس له فيها طعام إلا من غسلين. وروى عكرمة، عن ابن عباس قال: لا أدري ما الغسلين. وروي عنه أنه قال: الغسلين: ما يسقط عن عروقهم، وذاب من أجسادهم.
وقال القتبي: هو فعلين من غسلت فكأنه غسالة. لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ يعني: المشركين.