آيات من القرآن الكريم

مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ
ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺ ﯼﯽ ﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰋﰌﰍﰎﰏﰐ ﰒﰓﰔﰕﰖ ﰘﰙﰚﰛﰜ ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚ

ويصحّون فلا يمرضون أبدا، وينعمون فلا يرون بأسا أبدا، ويشبّون فلا يهرمون أبدا».
٣- يقال للناجين من قبل ربهم، أو بواسطة الملائكة خزنة الجنة: كلوا واشربوا في الجنة أكلا وشربا هنيئا لا تكدير فيه ولا تنغيص، بسبب ما قدمتم من الأعمال الصالحة.
والآيات تعم جميع أهل السعادة، كما أن الآيات التالية تعم جميع أهل الشقاوة.
حال الأشقياء يوم القيامة
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٢٥ الى ٣٧]
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩)
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤)
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (٣٧)
الإعراب:
يا لَيْتَنِي يا: للتنبيه. ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ ما إما استفهامية على سبيل الإنكار في موضع نصب لأنها مفعول أَغْنى. مالِيَهْ فاعله، وتقديره: أي شيء أغنى عنّي ماليه؟ أو أن تكون ما نافية، ويكون مفعول أَغْنى محذوفا، وتقديره: ما أغنى ماليه شيئا، فحذفه. والهاء في مالِيَهْ للسكت، وإنما أدخلت صيانة للحركة عن الحذف، وتثبت وقفا ووصلا اتباعا لمصحف الإمام والنقل المتواتر.

صفحة رقم 96

فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ حَمِيمٌ اسم ليس، وخبرها الجار والمجرور، وهو لَهُ.
ولا يجوز أن يكون الْيَوْمَ هو الخبر لأن حَمِيمٌ جثة، واليوم ظرف زمان، وظروف الزمان لا تكون أخبارا عن الجثث، وإنما تدل على وجود حدث بعدها.
البلاغة:
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ توافق الفواصل، مراعاة لرؤوس الآيات، ويسمى في علم البديع كما تقدم السجع المرصّع.
المفردات اللغوية:
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يقول لما يرى من قبح العمل وسوء العاقبة.
يا لَيْتَها يا ليت الموتة التي متها في الدنيا. كانَتِ الْقاضِيَةَ القاطعة لأمري وحياتي، فلم أبعث بعدها. مالِيَهْ مالي من المال. سُلْطانِيَهْ حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا، أو ملكي وسلطاني على الناس.
خُذُوهُ خطاب لخزنة جهنم. فَغُلُّوهُ شدّوه في الأغلال، واجمعوا يديه إلى عنقه في الغلّ: وهو ما يكبل به الأسير أو المتهم من القيود والسلاسل. الْجَحِيمَ النار المحرقة.
صَلُّوهُ أدخلوه وأوردوه إياها، يصلى نارها ويحترق بها. ذَرْعُها طولها. سَبْعُونَ ذِراعاً المراد أنها سلسلة طويلة، والمراد ذراع الملك. فَاسْلُكُوهُ أدخلوه فيها بعد إدخاله في النار، بأن تلفّوها على جسده كيلا يتحرك فيها. وتقديم الجحيم والسلسلة للدلالة على التخصيص، والاهتمام بذكر أنواع ما يعذب به، وكلمة ثُمَّ لتفاوت ما بينهما في الشدة.
إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ تعليل على طريقة الاستئناف للمبالغة، وذكر صفة الْعَظِيمِ للإشعار بأنه هو المستحق للعظمة، فيجب الإيمان به. وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ لا يحث على إطعامه، فضلا عن أن يبذل من ماله. حَمِيمٌ قريب مشفق يحميه أو صديق ينتفع به. غِسْلِينٍ صديد أهل النار وما يسيل منهم من قيح أو دم. الْخاطِؤُنَ الآثمون، أصحاب الخطايا، من خطئ الرجل: إذا تعمد الذنب، لا من الخطأ المضاد للصواب.
المناسبة:
بعد بيان حال السعداء في معايشهم وسكناهم في الجنة، بيّن الله تعالى للموازنة والمقارنة والعبرة حال الأشقياء الكفار في الآخرة، وتعرضهم لألوان

صفحة رقم 97

العذاب في نار جهنم، مع بيان سبب ذلك: وهو عدم الإيمان بالله العظيم، والإعراض عن مساعدة المساكين البائسين.
التفسير والبيان:
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ: يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ أي وأما الشقي الذي يعطى كتابه بشماله أو من وراء ظهره، فيقول حزنا وكربا، وألما وندما لما رأى فيه من سيئاته وقبيح أعماله: يا ليتني لم أعط كتابي. وهذا دليل على وجود العذاب النفسي قبل العذاب الجسدي.
وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ، يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ أي ولم أعلم أيّ شيء حسابي الذي أحاسب به لأن كله وبال علي، ليت الموتة التي متها في الدنيا كانت القاطعة نهاية الحياة، ولم أحي بعدها، فهو يتمنى دوام الموت وعدم البعث، لما شاهد من سوء عمله، وما يصير إليه من العذاب. قال قتادة: تمني الموت، ولم يكن شيء في الدنيا أكره إليه منه. ونظير الآية: يَقُولُ الْكافِرُ: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
[النبأ ٧٨/ ٤٠].
ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ أي ما أفادني ما لي شيئا، ولم يدفع عني شيئا من عذاب الله، وفقدت حجتي، وذهب منصبي وجاهي وملكي، فلم يدفع عني العذاب، بل خلص الأمر إلي وحدي، فلا معين لي ولا مجير. قال أبو حيان: الراجح قول ابن عباس ومن ذكر معه أن السلطان هنا هو الحجة التي كان يحتج بها في الدنيا لأن من أوتي كتابه بشماله ليس مختصا بالملوك، بل هو عام في جميع أهل الشقاوة «١». وحينئذ يقول الله عز وجل مبينا مصيره وعاقبة أمره:

(١) البحر المحيط: ٨/ ٣٢٥ وما بعدها.

صفحة رقم 98

خُذُوهُ فَغُلُّوهُ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ أي يأمر الله الزبانية قائلا: خذوه مكبّلا بالقيود والأغلال، بجمع يده إلى عنقه في الغلّ، ثم أدخلوه الجحيم ليصلى حرها، ثم أدخلوه في سلسلة (حلق منتظمة) طولها سبعون ذراعا تلفّ على جسمه، لئلا يتحرك.
ثم بيّن الله تعالى سبب وعيده الشديد وعذابه قائلا:
إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ أي إنه كان كافرا جاحدا لا يصدق بالله صاحب العظمة والسلطان، ولا يحث على إطعام الفقير والمسكين البائس، فضلا عن عدم بذله المال للبائسين، والمعنى أنه لا يؤدي حقوق الله من توحيده وعبادته وعدم الشرك به، ولا يؤدي حقوق العباد من الإحسان والمعاونة على البر والتقوى. وفي ذكر الحض دون الفعل تشنيع، يفيد أن تارك الحض كتارك الفعل. وفي الآية دلالة على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة.
والعذاب متعين لازم له، كما قال تعالى:
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ أي ليس له يوم القيامة قريب ينفعه، أو صديق يشفع له، أو ينقذه من عذاب الله تعالى، كما جاء في آية أخرى: ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ [غافر ٤٠/ ١٨]. وقوله: هاهُنا إشارة إلى مكان عذابهم.
وطعامه ما وصف تعالى:
وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ، لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ أي وليس له طعام إلا ما يسيل من أجسام أهل النار من صديد ودم وقيح، لا يأكله إلا أصحاب الخطايا والذنوب. قال قتادة عن الغسلين: هو شر طعام أهل النار. والطعام:
اسم بمعنى الإطعام، كالعطاء اسم بمعنى الإعطاء.

صفحة رقم 99

فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- إذا كان المؤمن يفاخر بكتابه ابتهاجا وفرحا، فإن الكافر الشقي يتمنى الموت، ويكره البعث والعودة إلى الحياة مرة أخرى. قال القفّال: تمنى الموت حين رأى من الخجل وسوء المنقلب ما هو أشدّ وأشنع من الموت.
٢- ذكر الله تعالى سرور السعداء أولا، ثم ذكر أحوالهم في العيش الطيب وفي الأكل والشرب، ثم ذكر هنا غم الأشقياء وحزنهم، ثم ذكر أحوالهم حينما يزج بهم في نار جهنم في الغلّ والقيد، وتناول طعام الغسلين، والتصلية «١» في الجحيم (وهي النار العظمى) وإدخاله في سلسلة طولها سبعون ذراعا بذراع الملك.
٣- سبب الظفر بالجنة للمؤمنين السعداء الإيمان والأعمال الصالحة في الدنيا، وسبب العذاب والوعيد الشديد للأشقياء: هو عدم الإيمان بالله العظيم وعدم بذل المال للمساكين.
٤- دلت آية وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ على أن الكفار يعاقبون على ترك الصلاة والزكاة. وهو المراد من قول جمهور الأصوليين: إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة. عن أبي الدرداء: أنه كان يحض امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين، ويقول: خلعنا نصف السلسلة بالإيمان، أفلا نخلع النصف الباقي! ٥- ليس للشقي في الآخرة حميم، أي قريب يدفع عنه العذاب، ويحزن عليه لأنهم يتحامون ويفرّون منه، كقوله: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً [المعارج ٧٠/ ١٠] وقوله: ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ
[غافر ٤٠/ ١٨].

(١) قال المبرّد: أصليته النار: إذا أوردته إياها، وصلّيته أيضا، كما يقال: أكرمته وكرّمته.

صفحة رقم 100
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية